للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾ صلةٌ لـ "مَن" المتروكِ، كما يقالُ في الكلامِ: ما أَرْسَلْتُ إليك مِن الناسِ إلا مَن إنه لَيُبَلِّغُك الرسالة. فـ: إنه لَيُبَلِّغُك الرسالة. صلةٌ لـ "مَن".

وقولُه: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وامْتَحَنَّا أيُّها الناسُ بعضَكم ببعضٍ، جعَلْنا هذا نبيًّا، وخصَصْناه بالرسالةِ، وهذا ملِكًا، وخصَصْناه بالدنيا، وهذا فقيرًا، وحرَمْناه الدنيا؛ لنَخْتَبِرَ الفقيرَ بصبرِه على ما حُرِم مما أُعْطِيَه الغنيُّ، والملِكَ بصبرِه على ما أُعْطِيَه الرسولُ مِن الكرامةِ، وكيفَ رِضا كلِّ إنسانٍ منهم بما أُعْطِىَ وقُسِم له، وطاعتُه ربَّه مع ما حُرِم مما أُعْطِيَ غيرُه. يقولُ: فمن أجلِ ذلك لم أُعْطِ محمدًا الدنيا، وجَعَلْتُه يَطلُبُ المعاشَ في الأسواقِ، ولأَبْتَلِيَكم أَيُّها الناسُ، وأَخْتَبِرَ طاعتَكم ربَّكم، وإجابتَكم رسولَه إلى ما دعاكم إليه، بغيرِ عَرَضٍ من الدنيا تَرْجُونه مِن محمدٍ أن يُعْطِيَكم على اتِّباعِكم إياه؛ لأنى لو أعْطَيْتُه الدنيا لَسارَع كثيرٌ منكم إلى اتباعِه، طمعًا في دنياه أن يَنالَ منها.

وبنحوِ الذي قلنا في تأويلِ ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، عن أبي رَجاءٍ، قال: ثنى عبدُ القُدُّوسِ، عن الحسنِ في قولِه: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً﴾ الآية. يقولُ هذا الأعمى: لو شاء اللهُ لجَعَلَنى بصيرًا مثلَ فلانٍ. ويقولُ هذا الفقيرُ: لو شاء اللهُ لجَعَلَنى غنيًّا مثلَ فلانٍ. ويقولُ هذا السقيمُ: لو شاء اللهُ لجَعَلنى صحيحًا مثلَ (١) فلانٍ (٢).


(١) في م، ف: "مثلًا".
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٨/ ٢٦٧٥ من طريق ابن علية به، وأخرجه البيهقي في الشعب (١٠٠٧٢) من طريق أبى رجاء به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٦٥ إلى عبد بن حميد وابن المنذر.