للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القاسمَ بنَ محمدٍ سُئل عن قولِ اللهِ: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾. فقيل له: أُنزِل أو لَمْ يُنزَلْ؟ فقال: لا أبالى أىَّ ذلك كان، إلَّا أنى آمنتُ به (١).

والصوابُ من القولِ في ذلك عندنا قولُ من وجَّه "ما" التى في قولِه: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾. إلى (٢) معنى "الذى" دونَ معنى "ما" التى هى بمعنى الجحدِ. وإنما اختَرتُ ذلك من أجلِ أن "مَا" إن وجِّهت إلى معنى الجَحدِ فنَفَى (٣) عن الملَكَين أن يكونا مُنْزلًا إليهما، لَمْ (٤) يَخلُ الاسمان اللذان بعدَهما -أعنى هاروتَ وماروتَ - مِن أن يكونا بدلًا منهما وترجمةً عنهما، أو بدلًا من "الناسِ" في قولِه: ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾. وترجمةً عنهم (٥). فإن جُعِلا بدلًا من "المَلَكَين" وترجمةً عنهما، بطَل معنى قولِه: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾. لأنهما إذا لَمْ يكونا عالِمَين بما يُفرَّقُ به بينَ المرءِ وزوجِه، فما الذى يُتعلَّمُ منهما مما (٦) يفرِّقُ بينَ المرءِ وزوجِه؟

وبعدُ، فإن "مَا" التى في قولِه: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾. إن كانت بمعنى (٧) الجَحْدِ عطفًا على قولِه: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾. فإن اللهَ جلّ ثناؤُه نفَى بقولِه: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾. عن سليمانَ أن يكونَ السحرُ من عملِه أو من علمِه أو تعليمِه، فإن كان الذى نفَى عن الملَكَين من ذلك نظيرَ الذى نفَى عن سليمانَ


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ١٩٨ عن المصنّف. وينظر طبقات ابن سعد ٥/ ١٨٧.
(٢) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "التى".
(٣) في م، ت ١، ت ٣: "فتنفى".
(٤) في م: "ولم".
(٥) في م: "عنهما".
(٦) في م: "ما".
(٧) في م، "في معنى".