للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاجْهَرُوا به للناسِ". فخرجوا حتى أَتَوْهم، فوجَدوهم على أخبثِ ما بلَغهم عنهم، ونالوا من رسولِ اللهِ ﷺ، وقالوا: لا عقدَ بينَنا وبينَ محمدٍ ولا عهدَ. فشاتَمهم سعدُ بن عُبادةَ، وشاتَموه، وكان رجلًا فيه حِدَّةٌ، فقال له سعدُ بنُ معاذٍ: دعْ عنك مُشاتَمتَهم، فما بينَنا وبينَهم أرْبَى (١) من المشاتمةِ. ثم أقبَل سعدٌ وسعدٌ ومَن معهما إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فسلَّموا عليه، ثم قالوا: عَضَلٌ والقارةُ. أي كغدرِ عَضَلٍ والقارةِ بأصحابِ رسولُ اللهِ ﷺ أصحابِ الرَّجِيعِ؛ خُبَيبِ بن عديٍّ وأصحابِه. فقال رسولُ اللهِ ﷺ: "الله أكبرُ، أَبْشِروا يا معشرَ المسلمين". وعظُم عندَ ذلك البلاءُ، واشتدَّ الخوفُ، وأتاهم عدوُّهم من فوقِهم ومن أسفلَ منهم حتى ظنَّ المسلمون كلَّ ظنٍّ، ونجَم النِّفاقُ (٢) من بعضِ المنافقين، حتى قال مُعَتِّبُ بنُ قُشَيرٍ أخو بني عمرِو بن عوف: كان محمدٌ يَعِدُنا أن نَأْكُلَ كنوزَ كِسرى وقيصرَ، وأَحدُنا لا يَقْدِرُ أَن يَذْهَبَ إلى الغائطِ! وحتى قال أوسُ بنُ قَيْظيٍّ، أحدُ بني حارثةَ بن الحارثِ: يا رسولَ اللهِ، إن بيوتَنا لَعَوْرَةٌ من العدوِّ - وذلك عن ملأِ من رجالِ قومِه - فَأْذَنْ لنا فلنَرْجِعْ إلى دارِنا، وإنها خارجةٌ من المدينةِ. فأقام رسولُ اللهِ ﷺ بِضْعًا وعشرين ليلةً قريبًا من شهرٍ، ولم يَكُنْ بينَ القومِ حربٌ إلا الرمىُ بالنبلِ والحصارِ (٣).

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن محمدٍ بن إسحاقَ، قال: ثني يزيدُ بنُ رومَانَ قولَه: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ﴾: فالذين جاءوهم من فوقِهم: قُرَيظةُ، والذين جاءوهم من أسفل منهم: قريشٌ وغَطَفانُ (٤).

وقولُه: ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ﴾. يقولُ: وحينَ عدَلت الأبصارُ عن


(١) أربى: أعظم. المصدر السابق.
(٢) نجم الشيءُ: طلع وظهر. اللسان (ن ج م).
(٣) سيرة ابن هشام ٢/ ٢١٤ - ٢٢٣، وأخرجه المصنف في تاريخه ٢/ ٥٦٥، ٥٦٦، ٥٧٠ - ٥٧٢.
(٤) سيرة ابن هشام ٢/ ٢٤٦، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ١٨٧ إلى ابن أبي حاتم.