للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٠٥]. فدلَّ بذلك أن الذي عاتَبهم (١) عليه مما يَسُرُّ اليهودَ والمشركِين.

فأما التأويلُ الذي حُكِى عن مجاهدٍ في قولِه: ﴿رَاعِنَا﴾. أنه بمعنى: خِلافًا. فما (٢) لا يُعْقَلُ في كلامِ العربِ، لأنَّ "رَاعَيْتُ" في كلامِ العربِ إنما هو على أحدِ وجهَيْن؛ أحدُهما، بمعنى: فاعَلْتُ، من الرِّعْيةِ، وهي [الرِّقْبةُ والكَلاءةُ] (٣). والآخرُ، بمعنى إفراغِ السمعِ، بمعنى: أَرْعَيْتُه سمعى. وأما "راعَيْتُ" بمعنى: "خالَفْتُ"، [فما لا] (٤) وجهَ له مفهومٌ في كلامِ العربِ، إلا أن يكونَ قَرأ ذلك بالتنوينِ، ثم وَجَّهه إلى معنى الرُّعُونةِ والجهلِ والخطأ، على النحوِ الذي قال في ذلك عبدُ الرحمنِ بنُ زيدٍ، فيكونُ لذلك -وإن كان مخالفًا قراءةَ القَرَأةِ- معنى مفهومٌ حينئذٍ.

وأما القولُ الآخرُ الذي حُكِيَ عن عطيةَ ومَن حُكِيَ ذلك عنه أن قولَه: ﴿رَاعِنَا﴾. كانت كلمةً لليهودِ بمعنى السبِّ والسخريةِ، فاستعملَها المؤمنون أَخْذًا منهم ذلك عنهم، فإن ذلك غيرُ جائزٍ في صفةِ المؤمنين أن يأخُذوا مِن كلامِ أهلِ الشركِ كلامًا لا يَعْرِفون معناه، ثم يَسْتعملُونه بينهم وفي خطابِ نبيِّهم ﷺ. ولكنه جائزٌ أن يكونَ ذلك كما (٥) رُوِى عن قتادةَ، أنها كانت كلمةً صحيحةً مفهومةً من كلامِ العربِ، وافقَتْ كلمةً من كلامِ اليهودِ بغيرِ اللسانِ العربيِّ، هي عند اليهودِ


(١) في الأصل، ت ٣: "عاقبهم".
(٢) في م، ت ١، ت ٣: "فمما".
(٣) في الأصل: "الوقفة والكلمة"، وفي ت ١: "الرتبة والكلية"، وفي ت ٢: "الرقبة والكلية".
(٤) فى م: ت ١، ت ٢، ت ٣: "فلا".
(٥) فى م: "مما".