للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كذلك من أهلِ البصرةِ (١) "، أن المنسَاةَ العصا، وأن أصلَها من: نَسَأْتُ بها الغنمَ. قال: وهى من الهمزِ الذي ترَكته العربُ، كما ترَكوا همزَ: "النبيِّ" و"البريةِ" و "الخابيةِ". وأنشَد لتركِ الهمزِ في ذلك بيتًا لبعض الشعراءِ.

إذا دَبَيْتَ على المِنْساةِ من كِبَرٍ (٢) … فقد تباعَدَ عنكَ اللَّهْوُ والغَزَلُ

وذكر الفرَّاءُ عن أبي جعفرٍ الرُّؤَاسيِّ، أنه سأل عنها أبا عمرٍو، فقال: (مِنْساتَه) بغير همزٍ (٣).

وقرَأ ذلك عامةُ قرَأةِ الكوفة: ﴿مِنْسَأَتَهُ﴾. بالهمز (٤)، وكأنهم وجَّهوا ذلك إلى أنها مِفْعَلةٌ، من: نَسَأْتُ البعيرَ. إذا زَجَرْتَه ليزدادَ سيرُه، كما يُقالُ: نسَأْتُ اللبنَ. إذا صَبَبْتَ عليه الماءَ، وهو النَّسِيءُ، وكما يقالُ: نَسَأَ الله في أجلِك. أي زاد (٥) الله في أيامِ حياتِك.

قال أبو جعفرٍ ﵀: وهما قراءتان قد قرَأ بكلِّ واحدةٍ منهما علماءُ مِن القرَأةِ بمعنًى واحدٍ، فبأيَّتهما قرَأ القارى فمُصيبٌ، وإن كنتُ أخْتارُ الهمز فيها (٦)؛ لأنه الأصلُ.

وقولُه: ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ﴾. يقولُ ﷿: فلما خرَّ سليمانُ ساقطًا بانكسارِ مِنْسأتِه، تبيَّنت الجنُّ أن لو كانوا يَعلَمون الغيبَ الذي كانوا يَدَّعون عِلْمَه،


(١) هو أبو عبيدة في المجاز ٢/ ١٤٥.
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "هرم".
(٣) معاني القرآن للفراء ٢/ ٣٥٧.
(٤) وهى قراءة ابن كثير وابن عامر في رواية هشام، وعاصم وحمزة والكسائي. ينظر الكشف ٢/ ٢٠٣، ٢٠٤، والتيسير ص ١٤٦.
(٥) في م، ت ٢، ت ٣: "أدام"، في ت ١: "أمد".
(٦) في الأصل: "فيه".