للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عامَّةُ قرأةِ المدينةِ والكوفةِ: ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ على التوحيدِ (١)، بمعنى: هذا حميمٌ وغساقٌ فليذُوقوه، وعذابٌ آخرُ من نحوِ الحميمِ ألوانٌ وأنواعٌ. كما يُقالُ: لك عذابٌ من فلانٍ ضروبٌ وأنواعٌ. وقد يَحْتَمِلُ أن يكُونَ مرادًا بالأزواجِ، الخبرُ عن الحميمِ والغسَّاقِ وآخَرَ من شَكْلِه، وذلك ثلاثةٌ، فقيل: ﴿أَزْوَاجٌ﴾. يُرادُ أن يُنْعَتَ بالأزواجِ تلك الأشياءُ الثلاثةُ. وقرَأ ذلك بعضُ المكيِّين وبعضُ البصريِّين: (وأُخَرُ) على الجماعِ (٢)، وكأن مَن قرَأ ذلك، كان عندَه لا يَصْلُحُ أن يكونَ الأزواجُ - وهى جمعٌ - نعتًا لواحدٍ؛ فلذلك جمَع "آخرَ" لتكونَ الأزواجُ نعتًا لها، والعربُ لا تمتنِعُ أن تَنْعَتَ الاسمَ إذا كان فعلًا بالكثيرِ والقليلِ والاثنين، كما بيَّنا، فتقُولُ: عذابُ فلانٍ أنواعٌ. و: نوعان مختلفان (٣).

وأعجَبُ القراءتين إليَّ أن أَقْرَأَ بها: ﴿وَآخَرُ﴾ على التوحيدِ، وإن كانت الأخرى صحيحةً؛ لاستفاضةِ القراءةِ بها في قرأةِ الأمصارِ، وإنما اختَرنا التوحيدَ؛ لأنه أصَحُّ مَخرجًا في العربيةِ، وأنه في التفسيرِ بمعنى التوحيدِ.

وقيل: إنه الزَّمهريرُ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن السديِّ، عن مُرَّةَ، عن عبدِ اللهِ: ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾. قال: الزمهريرُ (٤).


(١) هي قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص ٥٥٥.
(٢) هي قراءة أبي عمرو. المصدر السابق.
(٣) ينظر معاني القرآن ٢/ ٤١١.
(٤) تفسير سفيان ص ٢٦٠، ٢٦١، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ١٦٦، ١٦٧، وهناد في الزهد (٢٩٤)، والبيهقي في البعث (٥٧٠)، من طريق سفيان به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٣١٨ إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.