للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقطعِها على وجهِ الاستفهامِ (١). وقرَأته عامةُ قرأةِ الكوفةِ والبصرةِ، وبعضُ قرأةِ مكةَ بوصلِ الألفِ (من الأشرارِ اتَّخَذْناهُمْ) (٢).

وقد بيَّنا فيما مضى قبلُ أن كلَّ استفهامٍ كان بمعنى التعجبِ والتوبيخِ، فإن العربَ تَسْتَفهِمُ فيه أحيانًا، وتُخْرِجُه على وجهِ الخبرِ أحيانًا (٣).

وأولى القراءتين في ذلك بالصوابِ (٤) قراءةُ من قرَأه بالوصلِ على غيرِ وجهِ الاستفهامِ؛ لتقدُّمِ الاستفهامِ قبلَ ذلك في قولِه: ﴿مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا﴾. فيَصيرُ قولُه: (اتَّخَذْناهُمْ) بالخبرِ أولى، وإن كان للاستفهام وجهٌ مفْهومٌ لما وصَفتُ قبلُ من أنه بمعنى التعجبِ.

وإذ كان الصوابُ من القراءةِ في ذلك ما اختَرنا؛ لما وصَفْنا، فمعنى الكلامِ: وقال الطاغون: ما لنا لا نرى سَلْمَانَ وبِلالًا وخبَّابًا - الذين كنا نَعُدُّهم في الدنيا أشرارَنا (٥)، اتَّخذناهم فيها سِخْريًّا نَهْزَأُ بهم فيها - معنا اليومَ في النارِ؟! وكان بعضُ أهلِ العلمِ بالعربيةِ من أهلِ البصرِة يقولُ (٦): من كسَر السينَ من السِّخْرِيٌّ فإنه يُرِيدُ به الهُزْءَ، يُريدُ: يُسخَرُ به. ومن ضمَّها فإنه يجعَلُه من السُّخْرةِ، يتسَخَّرونهم (٧)؛ يَسْتَذِلُّونهم - أزاغت عنهم أبصارُنا وهم معنا!

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.


(١) هي قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم. السبعة لابن مجاهد ص ٥٥٦.
(٢) هي قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي. المصدر السابق.
(٣) ينظر ما تقدم في ٩/ ٣٦٠.
(٤) القراءتان كلتاهما صواب.
(٥) في م: "أشرارا".
(٦) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن ٢/ ١٨٧.
(٧) في م: "يستسخرونهم".