للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعنى الذي ذكَرتُ لقارئِه؛ لإجماعِ الحجةِ من القرأةِ عليه وشذوذِ ما خالَفه، وكفى دليلًا على خطأ قراةٍ خِلافُها ما مضَت عليه الأئمةُ من المتقدِّمين والمتأخِّرين، مع بُعْدِها من الصحةِ في المعنى وفراقِها (١) تأويلَ أهلِ التأويلِ.

وقولُه: ﴿إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: يُقالُ له: إن هذا العذابَ الذي يُعذَّبُ به اليومَ هو العذابُ الذي كنتم في الدنيا تَشُكُّون، فتَخْتَصِمون فيه ولا تُوقِنون به، فقد لقِيتُموه فذوقوه.

القولُ في تأويلِ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (٥٣)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: إن الذين اتَّقَوُا اللَّهَ بأداءِ طاعتِه واجتنابِ معاصِيه، في موضعِ إقامةٍ، آمِنين في ذلك الموضعِ مما كان يُخافُ منه في مقاماتِ الدنيا؛ من الأوصابِ والعللِ، والأنصابِ والأحزانِ.

واختلَفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾؛ فقرَأته عامةُ قرأةِ المدينةِ: (في مُقامٍ أمينٍ) بضمِّ الميمِ (٢)، بمعنى: في إقامةٍ أمينٍ من الظَّعْنِ. وقرَأتْه عامةُ قرأةِ المِصْرَين؛ الكوفةِ والبصرةِ: ﴿فِي مَقَامٍ﴾ بفتحِ الميمِ (٣)، على المعنى الذي وصَفْنا، وتوجيهًا إلى أنهم في مكانٍ وموضعٍ أمينٍ.

والصوابُ من القولِ في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأةِ الأمصارِ، صحيحتا المعنى، فبأيتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ.

وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.


(١) في ت ٢: "قربها"، وفي ت ٣: "قرابها".
(٢) وبها قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر. النشر ٢/ ٢٧٧.
(٣) وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف. المصدر السابق.