للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تفسيرُ سورة "الجاثية"

القولُ في تأويل قوله تعالى: ﴿حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣)﴾.

قد تقدَّم بيانُنا معنى قوله: ﴿حم﴾ (١).

وأما قولُه: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ﴾. فإن معناه: هذا تنزيلُ القرآن من عندِ الله، ﴿الْعَزِيزِ﴾ في انتقامه من أعدائه، ﴿الْعَلِيمِ﴾ في تدبيره أمر خلقه.

وقولُه: ﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: إن في السماوات السبع اللاتى منهنَّ نزولُ الغيث، والأرض التي منها خروجُ الخلق أيُّها الناسُ، ﴿لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾. يقولُ: لأدلةً وحُجَجًا للمُصَدِّقين بالحجج، إذا تبيَّنُوها ورأَوْها.

القولُ في تأويل قوله تعالى: ﴿وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: وفى خلقِ (٢) اللهِ إيَّاكم أيُّها الناسُ، وخلقه ما تفرَّق في الأرض من دابة تَدبُّ عليها، من غير جنسِكم، ﴿آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾. يعني: حُجَجًا وأدلةً لقومٍ يُوقنون بحقائق الأشياء، فيُقرُّون بها ويَعْلَمون صحتَها.

واختلَفت القرأةُ في قراءة قوله: ﴿آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾. وفى التي بعد ذلك؛ فقرأ ذلك عامةُ قرأة المدينة والبصرة وبعضُ قرأة الكوفة: ﴿آيَاتٌ﴾ رفعًا (٣) على


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٢٠٥ - ٢١٠، ٢٠/ ٢٧٤ - ٢٧٦.
(٢) في ص، ت ١: "حبر"، وفى ت ٢، ت ٣: "خبر".
(٣) وهى قراءة نافع وابن كثير وعاصم وابن عامر وأبي عمرو وأبى جعفر وخلف. ينظر النشر ٢/ ٢٧٨.