للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تَرَى أنت يا محمدُ إلا مساكنَهم.

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفةِ: ﴿لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ﴾ بالياءِ في: ﴿يُرَى﴾، ورفعِ "المساكنِ" (١). بمعنى ما وصَفتُ قبلُ أنه لا يُرَى في بلادِهم شيءٌ إلا مساكنُهم. وروى الحسنُ البصريُّ: (لا تُرَى) بالتاءِ (٢). وبأيِّ القراءتَين اللتين ذكَرتُ من قراءةِ أهلِ المدينةِ والكوفةِ قرَأ ذلك القارئُ فمصيبٌ، وهو القراءةُ برفعِ "المساكنِ" إذا قُرئ قولُه: ﴿يُرَى﴾ بالياءِ وضمِّها، وبنصبِ "المساكنِ" إذا قُرئ قولُه: (تَرَى) بالتاءِ وفتحِها. وأما التي حُكيت عن الحسنِ فهي قبيحةٌ في العربيةِ، وإن كانت جائزةً، وإنما قبُحَت لأن العرب تُذَكِّرُ الأفعالَ التي قبلَ "إِلَّا" وإن كانت الأسماءُ التي بعدَها أسماءَ إناثٍ، فتقولُ: ما قامَ إلا أختُك، ما جاءَني إلا جاريتُك. ولا يَكادون يقولون: ما جاءتْني إلا جاريتُك. وذلك أن المحذوفَ قبلَ (إِلَّا): "أحدٌ" أو "شيءٌ"، و "أحدٌ" و "شيء" تُذَكِّرُ فعلهما (٣) العربُ وإِن عُنِي بهما المؤنثُ، فتقولُ: إن جاءك منهنَّ أحدٌ فأكرِمْه. ولا يقولون: إن جاءتْك. وكان الفرَّاءُ (٤) يجيزُها على الاستكراهِ، ويذكرُ أن المفضَّلَ أنشَده:

ونارُنا لم تُرَ نارًا مِثْلُها … قد عَلِمَت ذَاكَ مَعَدٌّ أَكْرَمَا

فأنَّث فعْل "مِثل"؛ لأنه للنارِ. قال: وأجودُ الكلامِ أن تقولَ: ما رُئِى مثلُها.

وقولُه: ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: كما جَزَينا عادًا بكفرِهم باللهِ من العقابِ في عاجلِ الدنيا، فأهلَكْناهم بعذابِنا، كذلك نَجْزِى القومَ الكافرين باللهِ مِن خلقِنا، إذا تَمادَوا في غَيِّهم، وطَغَوا على ربِّهم.


(١) وهى قراءة عاصم وحمزة. السبعة لابن مجاهد ص ٥٩٨.
(٢) وهى قراءة شاذة، ينظر إتحاف فضلاء البشر ص ٢٤٢.
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فعلها".
(٤) معاني القرآن ٣/ ٥٥.