للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ﴾. واذكُروا إذ ابتَلَى إبراهيمَ رُّبه، وإذ جعَلْنا البيتَ مَثابةً.

والبيتُ الذى جعَله اللهُ مَثابةً للناسِ هو البيتُ الحرامُ.

وأما المثابةُ، فإن أهلَ العربيةِ مختلِفون فى معناها، والسببِ الذى من أجلِه أُنِّثَتْ؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: أُلْحِقَت الهاءُ فى المثابةِ لمّا كَثُر مَن يَثوبُ إليه، كما يقالُ: سَيّارةٌ. لمن يُكْثِرُ ذلك، ونَسّابةٌ.

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: بل المَثابُ والمثابةُ بمعنًى واحدٍ، نطيرُ المَقامِ والمَقامَةِ. والمَقامُ ذُكِّر -على قولِه- لأنه أُريدَ به الموضعُ الذى يُقامُ فيه، وأُنِّثَتِ المَقامَةُ لأنه أريد بها البُقْعَةُ. وأَنكرَ هؤلاء أن تكونَ المثابةُ للسيّارةِ (١) والنّسّابةِ نَطيرَةً (٢). وقالوا: إنما أُدخلتِ الهاءُ فى السيّارةِ والنسّابةِ تشبيهًا لها بالداهيةِ (٣).

والمَثابةُ مَفْعَلَةٌ من: ثاب القومُ إلى الموضعِ، إذا رجَعوا إليه، فهم يَثُوبون إليه مَثابًا ومَثابةً وثوابًا.

فمعنى قولِه: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ﴾: وإذ جعَلْنا البيتَ مَرجِعًا للناسِ ومَعاذًا، يَأْتُونه كلَّ عامٍ، ويَرجِعون إليه فلا يَقْضُون منه وَطَرًا. ومن المثابِ قولُ وَرَقَةَ ابنِ نوفلٍ فما صفةِ الحَرَمِ (٤):

مَثابٌ لأفْنَاءِ القبائلِ كلِّها … تَخُبُّ إليه اليَعْمَلاتُ الطَّلائِحُ

ومنه قيل: ثاب إليه عقلُه، إذا رجَع إليه بعد عُزوبِه عنه. وبنحوِ ما قلْنا فى تأويلِ ذلك قال أهلُ التأويلِ.


(١) فى م: "كالسيارة".
(٢) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٣) فى م: "بالداعية".
(٤) ينظر تخريج البيت فى البداية والنهاية ٣/ ٤٧٣.