للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: كلُّ هؤلاء الذين ذكَرْناهم كذَّبوا رسلَ اللَّهِ الذين أرسَلهم، ﴿فَحَقَّ وَعِيدِ﴾. يقولُ: فوجَب لهم الوعيدُ الذي أوْعَدْناهم على كفرِهم باللَّهِ، وحلَّ بهم العذابُ والنِّقمةُ. وإنما وصَف ربُّنا جلَّ ثناؤُه ما وصَف في هذه الآيةِ من إحلالِه عقوبتَه بهؤلاء المكذِّبين الرسلَ؛ ترهيبًا منه بذلك مشرِكي قريشٍ، وإعلامًا منه لهم أنهم إن لم يُنِيبوا من تكذيبِهم رسولَه محمدًا ، أنه مُحِلٌّ بهم من العذابِ مثلَ الذي أحلَّ بهم.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدَّثني الحارثُ، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا ورقاءُ، جميعًا عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه: ﴿فَحَقَّ وَعِيدِ﴾. قال: ما أُهْلِكوا به، تخويفًا لهؤلاء (١).

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦)﴾.

قال أبو جعفرٍ : وهذا تقريعٌ من اللَّهِ جلَّ ثناؤُه مشرِكي قريشٍ الذين قالوا: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾ [ق: ٣]. يقولُ لهم جلَّ ثناؤُه: أفعَيِينا بابتداعِ الخلقِ الأولِ الذي خلَقْناه ولم يَكُنْ شيئًا، فنَعْيَى بإعادتِهم خلقًا جديدًا بعدَ بِلاهم في الترابِ، وبعدَ فنائِهم؟ يقولُ: ليس يُعْيِينا ذلك، بل نحن عليه


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ١٠٣ إلى المصنف وابن المنذر.