للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿هَلْ مِن مَحِيصٍ﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: فهل كان لهم بتنقيبهم (١) في البلادِ من مَعْدِلٍ عن الموتِ، ومَنْجًى من الهلاكِ إذ جاءهم أمرُنا؟ وأُضمِرت "كان" في هذا الموضعِ، كما أُضْمِرت في قولِه: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ﴾ [محمد: ١٣]. بمعنى: فلم يَكُنْ لهم ناصرٌ عندَ إهلاكِناهم. وقرَأت القرأةُ قولَه: ﴿فَنَقَّبُوا﴾. بالتشديدِ وفتحِ القافِ، على وجهِ الخبرِ عنهم. وذُكِر عن يحيى بنِ يَعْمَرَ أنه كان يَقْرَأُ ذلك: (فَنَقِّبُوا) بكسرِ القافِ (٢) على وجهِ [الأمرِ، بمعنى] (٣) التهديدِ والوعيدِ. أي: طُوفوا في البلادِ وتردَّدوا فيها، فإنكم لن تَفُوتُونا بأنفسِكم.

وبنحوِ الذي قلْنا في تأويلِ قولِه: ﴿مِنْ مَحِيصٍ﴾. قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ﴾، حتى بلَغ: ﴿هَلْ مِنْ مَحِيصٍ﴾. قد حايَص (٤) الفجَرةُ، فوجَدوا أمرَ اللَّهِ منيعًا (٥).

حدَّثنا ابنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا ابنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ في قولِه: ﴿فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ﴾. قال: حاص أعداءُ اللَّهِ، فوجَدوا أمرَ اللَّهِ لهم مُدْرِكًا (٦).


(١) في م: "بتنقبهم".
(٢) وهي قراءة شاذة، ينظر البحر المحيط ٨/ ١٢٩.
(٣) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٤) في م: "حاص".
(٥) في م: "متبعا"، وفي ت ١: "ننعا"، وفي ت ٣: "نسا".
(٦) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٢٣٩ عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ١٠٩ إلى ابن المنذر.