للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمعلومٌ أنه لم يكن تاركًا معونةَ أبيه، إما على البناءِ، وإما على نقلِ الحجارةِ. وأىُّ ذلك كان منه، فقد دخَل في معنى مَن رفَع قواعدَ البيتِ، وثبَت أن القولَ المُضمرَ خبرٌ عنه وعن والدِه إبراهيمَ صلواتُ اللهِ عليهما. فتأويلُ الكلامِ: وإذ يَرفَعُ إبراهيمُ القواعدَ مِن البيتِ، يقولان: ربَّنا تَقَبلْ مِنَّا عملَنا، وطاعتَنا إياك وعبادَتنا لك، في انتهائِنا إلى أمرِك الذى أمَرتنا به في بناءِ بيتِك الذى أمَرْتنا ببنائِه، إنك أنت السميعُ العليمُ.

وفى إخبارِ اللهِ جلَّ ثناؤُه أنهما رفَعا القواعدَ مِن البيتِ وهما يقولان: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ دليلٌ واضحٌ على أن بناءَهما ذلك لم يَكُنْ بناءَ مَسكنٍ يَسْكُنانه ولا منزلٍ يَنْزلانِه، بل هو دليلٌ على أنهما بنياه ورفَعا قواعدَه لكلِّ مَن أراد أن يَعْبُدَ اللهَ، تَقرُّبًا منهما إلى اللهِ بذلك، ولذلك قالا: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾ ولو كانا بنياه مسكنًا لأنفسِهما لم يكنْ لقولِهما: ﴿تَقَبَّلْ مِنَّا﴾ وَجهٌ مفهومٌ، لأنه [كان يكونُ] (١) -لو كان الأمْرُ كذلك- [سألا ربَّهما] (٢) أن يَتقبَّلَ منهما ما لا قُرْبةَ فيه إليه. وليس [من صفتِهما] (٣) مسألةُ اللهِ قبولَ ما لا قُربةَ إليه فيه.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧)﴾.

وتأويلُ قولِه: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾: إنك أنت السميعُ دعاءَنا ومَسألتَنا إياك قَبولَ ما سألناك قَبولَه منا مِن [طاعتِنا لك] (٤) في بناءِ بيتِك الذى أمَرْتنا ببنائِه، العليمُ بما في ضمائرِ نفوسِنا مِن الإذعانِ لك بالطاعةِ والمصيرِ إلى ما فيه لك


(١) في م: "كانا يكونان".
(٢) في م: "سائلين".
(٣) في م: "موضعهما".
(٤) في م: "طاعتك".