للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولَى الأقوالِ في ذلك بالصَّوابِ قولُ مَن قال: عُنِي بذلك: لا يَنْهاكم اللَّهُ عن الذين لم يُقاتِلوكم في الدينِ من جميعِ أصنافِ المللِ والأديانِ، أن تبرُّوهم وتَصِلوهم وتُقْسِطوا إليهم. إِنَّ اللَّهَ ﷿ عمَّ بقولهِ: ﴿الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ جميعَ مَن كان ذلك صفتَه، فلم يَخْصُصْ به بعضًا دونَ بعضٍ. ولا معنَى لقولِ مَن قال: ذلك مَنْسُوخٌ. لأن برَّ المؤمنِ من أهلِ الحربِ ممن بينَه وبينَه قَرابةُ نسبٍ (١)، أو ممن لا قَرابةَ بينَه وبينَه ولا نسبَ (١) - غيرُ محرَّمٍ ولا منهيٍّ عنه، إذا لم يَكُنْ في ذلك دلالةٌ له أو لأهلِ الحربِ على عورةٍ لأهلِ الإسلامِ، أو تقويةٌ لهم بكُراعٍ أو سلاحٍ. وقد بينَّ صحةَ ما قلنا في ذلك الخبرُ الذي ذكَرْناه عن ابنِ الزبيرِ في قصةِ أسماءَ وأمِّها.

وقولُه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾. يقولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحبُّ المنصِفين الذين يُنصِفون الناسَ، ويُعْطونهم الحقَّ والعدلَ من أنفسِهم، فيَبرُّون مَن بَرَّهم، ويُحْسِنون إلى مَن أحسَن إليهم.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: إنما ينهاكم اللَّهُ أيُّها المؤمِنون ﴿عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ من كفارِ أهلِ مكةَ، ﴿وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ﴾. يقولُ: وعاونوا مَن أخرَجكم من ديارِكم على إخراجِكم، أن تولَّوهم فتكونوا لهم أولياءَ ونصراءَ، ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ﴾. يقولُ: ومَن يَجْعَلْهم منكم أو من غيرِكم أولياء، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. يقولُ: فأولئك هم الذين تَوَلَّوا غيرَ الذي يجوزُ لهم أن يَتَولَّوهم، ووضَعوا ولا يتَهم في غيرِ موضِعِها، وخالَفوا أمرَ اللَّهِ في ذلك.


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "سبب".