للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِآيَاتِنَا كِذَّابًا﴾ سوى الكِسائيِّ، فإنه خفَّفها لما وصَفْتُ قبلُ (١)، والتشديدُ أحبُّ إليَّ من التخفيفِ، وبالتشديدِ القراءةُ، ولا أرَى قراءةَ ذلك بالتخفيفِ؛ لإجماعِ الحجةِ من القرأةِ على خلافِه (٢)، ومن التخفيفِ قولُ الأعشى (٣):

فصدَقْتُها وكذَبْتُها … والمرءُ يَنْفَعُه كِذَابُهْ

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا ابنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ: ﴿لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا﴾. قال: باطلًا وإثمًا (٤).

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا﴾. قال: وهى كذلك ليس فيها لغوٌ ولا كِذَّابٌ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (٣٦) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (٣٧) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (٣٨)﴾.

يعنى بقوله جلَّ ثناؤه: ﴿جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ﴾: أعْطَى اللهُ هؤلاء المتقين ما وصف في هذه الآياتِ؛ ثوابًا مِن ربِّك بأعمالهم على طاعتِهم إياه في الدنيا.

وقولُه: ﴿عَطَاءً﴾. يقولُ: تفضُّلًا مِن اللهِ عليهم بذلك الجزاءِ. وذلك أنه


(١) ينظر ما تقدم في ص ٣٥، ٣٦.
(٢) القراءتان كلتاهما صواب.
(٣) البيت في الكامل للمبرد ٢/ ٢١٠.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٣٤٣ عن معمر به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٣٠٩ إلى عبد بن حميد وابن المنذر.