للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حبيبٍ الخثعميُّ حتى قام إلى جنبِه، ثم أخذ بأذنِه فقال: ابرُكْ محمود، وارجع راشدًا من حيثُ جئتَ، فإنك في بلدِ الله الحرام. ثم أرسل أذنه، فبَرَك الفيل، وخرج نُفَيلُ بنُ يشتدُّ حتى أصعد في الجبلِ، وضربوا الفيل ليقوم فأبَى، وضربوا في رأسه بالطَّبَرْزِينِ (١) ليقوم فأبَى، فأدخلوا مَحاجِنَ لهم في مَرَاقِّه (٢)، فبزَغوه (٣) بها ليقوم فأبَى، فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يُهَروِلُ، ووجهوه إلى الشام ففعَل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرقِ ففعَل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك، وأرسل الله عليهم طيرًا من البحرِ أمثال الخطاطيف، مع كلِّ طير ثلاثة أحجارٍ يحمِلُها؛ حجرٌ في منقارِه، وحجران في رجليه مثل الحِمَّصِ والعَدَسِ، لا تصيب منهم أحدًا إلا هلك، وليس كلَّهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدِرُون الطريق الذي منه جاءوا، ويسألون عن نُفَيلِ بن حبيب، ليدلهم على الطريق إلى اليمنِ، فقال نُفَيلُ بنُ حبيب حين رأى ما أَنزَل الله بهم من نقمته:

أين المَفَرُّ والإلَهُ الطالِبْ

والأَشْرَمُ المَغْلُوبُ غَيْرُ الغَالِبُ

فخرَجوا يتساقطون بكلِّ طريق، ويهلكون على كلِّ مَنْهلٍ، فأُصِيبَ أبرهة في جسدِه، وخرجوا به معهم، تسقط (٤)، أنامله أُنْمُلةً أُنملةٌ، كلما سقطت أنملةٌ أَتبَعَتُها مِدَّةٌ تُمثُّ (٥) قيحًا ودمًا، حتى قَدِموا به صنعاء وهو مثلُ فرخِ الطيرِ، فما مات حتى انصَدَع


(١) الطبرزين: فأس السرج؛ فارسي معرب، قال الجواليقي: لأن فرسان العجم تحمله معها يقاتلون به. المعرب ص ٢٧٦.
(٢) مَراقُّ البطن: أسفله وما حوله مما استرقَّ منه. اللسان (ر ق ق).
(٣) بَزَغَ دمه: أسأله. اللسان (ب ز غ).
(٤) في م: "فسقطت".
(٥) مثَّ العظمُ مثًّا: سال ما فيه من الودك. اللسان (م ث ث)، وقال السهيلي في الروض الأنف ١/ ٢٧٣: تَمُثُّ وتمِثُّ بالضم والكسر، فعلى رواية الضم يكون الفعل متعديًا ونصب "قيحًا" على المفعول، وعلى رواية الكسر يكون غير متعدٍّ ونصب "قيحًا" على التمييز في قول أكثرهم.