للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعني جلَّ ثناؤُه لقولِه: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾: وقال تُبَّاعُ الرجالِ الذين كانوا اتَّخَذوهم أندادًا من دونِ اللهِ، يُطيعونهم في معصيةِ اللهِ، ويَعْصُون ربَّهم في طاعتِهم، إذ يَرَوْن عذابَ اللهِ في الآخرةِ: ﴿لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾. يعني بالكَرَّةِ: الرَّجْعَةَ إلى الدنيا. مِن قولِ القائلِ: كررتُ على القومِ أَكُرُّ عليهم (١) كَرًّا [ومَكَرًّا] (٢). والكرَّةُ: المَرَّةُ الواحدةُ. وذلك إذا حَمَل عليهم راجعًا بعدَ الانصرافِ عنهم، كما قال الأخْطَلُ (٣):

ولقد عَطَفْنَ على فزَارَةَ عَطْفَةً … كَرَّ المَنيحِ (٤) وجُلْنَ ثَمَّ مَجَالَا

وكما حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا﴾ أي (٥): رجعةً إلى الدنيا (٦).

وحدَّثني المُثَنَّى، قال: حدَّثني إسحاقُ، قال: ثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ قال: قالت الأتْباعُ: لو أن لنا كرةً إلى الدنيا فنَتَبَرَّأَ منهم كما تَبَرَّءُوا منا (٧).

وقولُه: ﴿فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ﴾ منصوبٌ؛ لأنه جوابٌ للتَّمَنى بالفاءِ؛ لأنَّ القومَ تَمَنَّوا رجعةً إلى الدنيا ليَتَبَرَّءُوا مِن الذين كانوا يُطيعونهم في معصيةِ اللهِ، كما تَبَرَّأ


(١) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٣) شرح ديوانه ٣٩١.
(٤) المنيح: قدح لا حظ له في الميسر، ولكنه يعاد مع القداح في كل ضربة. نقائض جرير والأخطل ص ٨٠.
(٥) بعده في م: "لنا".
(٦) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ١٦٦ إلى المصنف وعبد بن حميد.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٢٧٩ (١٤٩٩) من طريق أبي جعفر عن الربيع، عن أبي العالية.