للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حيثُ لا تسمَعُ صوتَه غنمُه، فلا تَنتفعُ من نَعيقِه (١) بشيْءٍ، غيرَ أنه في عَناءٍ من دعاءٍ ونداءٍ، فكذلك الكافرُ في دعائِه آلهتَه، إنما هو في عَناءٍ من دُعائِه إيَّاها وندائِه لها، ولا تنفعُه شيئًا (٢).

وأوْلى التأويلَيْن (٣) عندي بالآيةِ التأويلُ الأولُ الذي قاله ابنُ عباسٍ ومَنْ وافَقه عليه، وهو أن معنى الآيةِ: ومَثلُ وَعْظِ الكافِر وَوَاعِظِه، كمثلِ الناعِقِ بغنمِه ونعيقِه، فإنه يسمَعُ نعيقَه ولا يعقِلُ كلامَه. على ما قد بينَّا قبلُ.

فأما وجْهُ جوازِ حذفِ الوعظِ اكتفاءً بالمثَلِ منه، فقد أتينَا على البيانِ عنه في قولِه: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ [البقرة: ١٧] وفي غيرِه من نظائرِه من الآياتِ بما فيه الكفايةُ عن إعادَتِه. وإنما اختَرنا هذا التأويلَ؛ لأن هذه الآيةَ نزَلت في اليهودِ، وإيّاهُم عَنَى اللهُ بها، ولم تكنِ اليهودُ أهلَ أوثانٍ يَعبدونها ولا أهلَ أصنامٍ يُعظِّمونَها، ويَرجونَ نَفْعَها أو دفعَ ضُرِّها، فلا وجهَ، إذْ كان ذلكَ كذلكَ، لتأويلٍ من تأوَّلَ ذلك أنه بمعنى: مَثَلُ الذين كفَروا في ندائِهم الآلهةَ ودُعائِهم إيّاها.

فإن قال قائلٌ: وما دليلُك على أن المقصودَ بهذه الآيةِ اليهودُ؟

قيل: دليلُنا على ذلك ما قبْلَها من الآياتِ وما بعدَها، [وأنهم] (٤) هم المعنيُّون به، فكان ما بينَهما بأن يكونَ خبرًا عنهم أحقَّ وأوْلَى من أن يكونَ خبرًا عن غيرِهم، حتى تأتيَ الأدلةُ واضحةً بانصرافِ الخبرِ عنهم إلى غيرِهم، هذا مع ما قد ذكَرنا من الأخبارِ عمَّن ذكَرناها عنه أنها فيهم نزَلتْ، والروايةِ التي روَينا عن ابنِ عباسٍ أن الآيةَ


(١) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "نعقه".
(٢) في م: "شيء".
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "التأويل".
(٤) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فإنهم".