للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما أَولى القولين اللذين ذكَرنا بالصوابِ في تأويلِ قولِه: ﴿وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ على قراءةِ مَن قرَأ ذلك نصبًا، فقولُ عبدِ اللَّهِ بنِ مَسعودٍ ومَن قال بقولِه، من أن معنى ذلك: وأتموا الحجَّ والعمرةَ للَّهِ إلى البيتِ بعدَ إيجابِكم إياهما. لا أنَّ ذلك أمرٌ مِن اللَّهِ بابتداءِ عملِهما والدخولِ فيهما وأداءِ عملِهما بتمامِه بهذه الآيةِ؛ وذلك أن الآيةَ مُحْتَمِلةٌ المعنيين اللذين وصَفنا؛ من أن يكون أمرًا مِن اللَّهِ بإقامتِهما بتَمامِهما (١) ابتداءً، وإيجابًا منه على العبادِ فرضَهما. وأن يكونَ أمرًا منه بإتمامِهما بعد الدخولِ فيهما، وبعد إيجابِ موجبِهما على نفسِه. فإذا كانت الآيةُ مُحْتَمِلةً المعنيين اللذين وصَفنا، فلا حجةَ فيها لأحدِ الفريقين على الآخَرِ، إلا وللآخَرِ عليه فيها مثلُها. وإذا كان ذلك (١) كذلك ولم يكنْ بإيجابِ فرضِ العُمرةِ خبرٌ عن الحجةِ للعذرِ قاطعًا، وكانت الأمةُ في وجوبِها متنازعةً، لم يكنْ لقولِ قائلٍ: هي فرضٌ. بغيرِ برهانٍ دالٍّ على صحةِ قولِه - معنًى، إذ كانت الفروضُ لا تَلْزَمُ العبادَ إلا بدلالةٍ على لزومِها إياهم واضحةٍ.

فإن ظنَّ ظانٌّ أنها واجبةٌ وُجوبَ الحجِّ، وأنَّ تأويلَ مَن تأوَّل قولَه: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾. بمعنى: أقِيمُوا حدودَهما وفُروضَهما. أولى مِن تأويلِنا، لما (٢) حدَّثني به حاتمُ بنُ بكرٍ (٣) الضبيُّ، قال: ثنا أشهلُ بنُ حاتمٍ الأرطبانيُّ (٤)، قال: ثنا ابنُ عونٍ، عن محمدِ بنِ جُحادةَ، عن رجلٍ، عن زميلٍ له، عن أبيه - وكان أبوه يُكنَى أبا المُنْتَفِقِ - قال: أتَيتُ النبيَّ بعرفةَ، فدنَوتُ منه، حتى اختلَفَت عنقُ راحِلَتي


(١) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بما".
(٣) في م، ت ٢: "بكير". وينظر تهذيب الكمال ٥/ ١٩١.
(٤) في م: "الأرطبائي".