للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم اختلَف أهلُ العلمِ في مَحِلِّ الهَدْيِ الذي عناه اللَّهُ، الذي متى بلَغه كان للمُحْصَرِ الإحلالُ مِن إحرامِه الذي أُحْصِر فيه؛ فقال بعضُهم: مَحِلُّ هَدْيِ المُحْصَرِ الذي يَحِلُّ به ويجوزُ له ببُلوغِه إياه حَلْقُ رأسِه، إذا كان إحصارُه مِن خوفِ عدوٍّ منَعه ذَبْحَه، إن كان مما يُذْبَحُ، أو نَحْرَه، إن كان مما يُنْحَرُ - في الحِلِّ، ذبَح أو نَحَر، أو في الحَرَمِ، وإن كان من غيرِ خوفِ عدوٍّ، فلا يَحِلُّ حتى يَطُوفَ بالبيتِ ويَسْعَى بينَ الصَّفا والمروةِ. وهذا قولُ مَن قال: الإحصارُ إحصارُ العدوِّ دونَ غيرِه (١).

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرَنا ابنُ وهبٍ، قال: حدَّثني مالكُ بنُ أنسٍ، أنه بلَغه أن رسولَ اللَّهِ ﷺ حلَّ هو وأصحابُه بالحديبيةِ، فنحَروا الهَدْيَ، وحَلَقوا رُءوسَهم، وحَلُّوا مِن كلِّ شيءٍ قبلَ أن يَطُوفوا بالبيتِ، وقبلَ أن يَصِلَ إليه الهَدْيُ، ثم لم نَعْلَمْ أن رسولَ اللَّهِ ﷺ أمَر أحدًا مِن أصحابِه، ولا ممن كان معه، أن يَقْضُوا شيئًا، ولا أن يَعُودُوا لشيءٍ (٢).

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرَنا ابنُ وهبٍ، قال: أخبَرَني مالكٌ، عن نافعٍ، أنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ عمرَ خرَج إلى مكةَ مُعْتَمِرًا في الفتنةِ (٣)، فقال: إن صُدِدْتُ عن البيتِ صنَعنا كما صنَعْنَا مع رسولِ اللَّهِ ﷺ. فأَهَلَّ بعمرةٍ مِن أجلِ أن النبيَّ ﷺ كان أَهَلَّ بعمرةٍ عامَ الحديبيةِ، ثم إن عبدَ اللَّهِ بنَ عمرَ نظَر في أمرِه فقال: ما أمرُهما إلا واحدٌ. قال: فالتَفَت إلى أصحابِه فقال: ما أمرُهما إلا واحدٌ، أُشْهِدُكم أني قد أوجَبْتُ


(١) في م: "غير".
(٢) تقدم تخريجه في ص ٣٤٦.
(٣) وذلك حين حاصر الحجاج بن يوسف الثقفي عبدَ اللَّهِ بن الزبير وهو بمكة إلى أن قتله. ينظر خبر هذه الفتنة في البداية والنهاية ١٢/ ١٧٧ وما بعدها.