للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصَفنا، وأن الأُخريَين بمعنى النهيِ (١)، أخبَر النبيُّ أن مُجْتَنِبَهما في حجِّه مستوجبٌ ما وصَف من إكرامِ اللَّهِ إياه بما (٢) أخبَر أنه مُكْرِمُه به، إذ كانتا بمعنى النهْيِ، وكان المُنتهِي عنهما للَّهِ مُطِيعًا بانتهائِه عنهما، وترَك ذِكْرَ الثالثةِ معهما (٣)، إذ لم تكنْ في معناهما، وكانت مخالِفةً سبيلُها سبيلَهما.

فإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بالقراءةِ من القراءاتِ، المخالَفَةُ بينَ إعرابِ "الجدالِ"، وإعرابِ "الرَّفَثِ" و"الفسوقِ"؛ ليعلمَ سامعُ ذلك - إذا كان من أهلِ الفهمِ باللغاتِ - أن الذي من أجلِه خُولِف بينَ إعرابَيهما اختلافُ مَعْنَيَيْهما، وإن كان صوابًا قراءةُ جميعِ ذلك باتفاقِ إعرابِه على اختلافِ معانِيه، إذ كانت العربُ قد تُتْبِعُ بعضَ الكلامِ بعضًا بإعرابٍ، مع اختلافِ المعانِي، وخاصّةً في هذا النوعِ من الكلامِ.

فأعجَبُ القراءاتِ في ذلك عندي - إذ كان الأمرُ على ما وصَفتُ - قراءةُ من قرَأ: (فلا رفثٌ ولا فسوقٌ ولا جدالَ في الحجِّ). برفعِ "الرَّفَثِ" و"الفسوقِ" وتنوينِهما، وفتحِ الجدالِ بغيرِ تنوينٍ، وذلك هو قراءةُ جماعةِ البصريين، وكثيرٍ من أهلِ مكةَ؛ منهم عبدُ اللَّهِ بنُ كثيرٍ، وأبو عمرِو بنُ العلاءِ (٤).

وأما قولُ من قال: معناه النهيُ عن اختلافِ المختلِفين في أتَمِّهم حجًّا. والقائلين: معناه النهيُ عن قولِ القائلِ: غدًا الحَجُّ. مخالِفًا به قولَ الآخرِ: اليومَ الحجُّ. فقولٌ في حكايتهِ الكفايةُ عن الاستشهادِ على وَهائِه وضعفِه، وذلك أنَّه قولٌ


(١) بعده في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الذي".
(٢) في م: "مما".
(٣) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٤) بصرى وقرأ على ابن كثير المكي. ينظر سير أعلام النبلاء ٦/ ٢٠٧، وحجة القراءات ص ١٢٨.