للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعني جل ثناؤُه بقولِه: ﴿أُولَئِكَ﴾. الذين يقولون بعدَ قضاءِ مَناسِكِهم: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾. رغبةً منهم إلى اللَّهِ جل ثناؤُه فيما عندَه، وعِلمًا منهم بأن الخيرَ كلَّه من عندِه، وأن الفضلَ بيدِه يُؤْتِيه مَن يشاءُ. فأَعْلَمَ جل ثناؤُه أن لهم نصيبًا وحظًّا من حَجِّهم ومناسِكِهم، وثوابًا جزيلًا على عملِهم الذي كسَبوه وباشَرُوا معاناتِه بأموالِهم (١) وأنفسِهم، خاصًّا ذلك لهم دونَ الفريقِ الآخرِ الذين عانَوْا ما عانَوْا من نَصَبِ أعمالِهم وتَعَبِها، وتكَلَّفوا ما تَكَلَّفوا من أسفارِهم بغيرِ (٢) رغبةٍ منهم فيما عندَ ربِّهم من الأجرِ والثوابِ، ولكن رجاءَ خَسِيسٍ من عَرَضِ الدنيا، وابتغاءَ عاجلِ حُطامِها.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾: فهذا عبدٌ نَوَى الدنيا، لها عَمِلَ ولها نَصِب. ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (٢٠١) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا﴾. أي: حظٌّ من أعمالِهم (٣).

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في: ﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾: إنما حَجُّوا للدنيا والمسألةِ، لا يُريدُون الآخرةَ ولا يُؤمِنون بها. ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾. قال:


(١) في الأصل، ت ١، ت ٣: "بأبدانهم".
(٢) في الأصل، ت ١، ت ٣: "لغير".
(٣) أخرج أوله ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٣٥٧، ٣٥٨ (١٨٧٥، ١٨٨٣)، من طريق شيبان، عن قتادة بنحوه، وعلق آخره في ٢/ ٣٦٠ عقب الأثر (١٨٨٩)، وتقدم أوله في ص ٥٤٣.