للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال لنا قائلٌ: ما الجالبُ للَّامِ في قولِه: ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾ وما معناها؟

قيل: الجالبُ لها معنى قولِه: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾؛ لأن في قولِه: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ معنى: حطَطْنا ذُنوبَه وكفَّرْنا آثامَه، فكان في ذلك معنى: جعَلْنا تكفيرَ الذنوبِ لمن اتَّقَى اللَّهَ في حجِّه. فتُرك ذِكْرُ: جعَلْنا تكفيرَ الذنوبِ. اكتفاءً بدَلالةِ قولِه: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾.

وقد زعَم بعضُ نحويِّي البصرةِ أنه كأنه إذا ذكَر هذه الرخصةَ فقد أخبَر عن أمرٍ، فقال: ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾ أي: هذا لمن اتَّقَى.

وأنكَرَ بعضُهم ذلك من قولِه، وزعَم أن الصفةَ (١) لا بدَّ لها من شيءٍ تَتَعلَّقُ به؛ لأنها لا تقومُ بنفسِها، ولكنها فيما زعَم من صلةِ قولٍ متروكٍ، فكان معنى الكلامِ عنده (٢): قلْنا: مَن تأخَّر فلا إثمَ عليه لمن اتَّقَى. وقام قولُه: ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ مَقامَ القولِ.

وزعَم بعضُ أهلِ العربيةِ أن موضعَ طَرْحِ الإثمِ في المتعجِّلِ، فجُعِل في المتأخِّرِ - وهو الذي أَدَّى ولم يُقَصِّرْ - مثلُ ما جُعِل على المقصِّرِ، كما يقالُ في الكلامِ: إن تصدَّقْتَ سرًّا فحَسَنٌ، وإن أظْهرْتَ فحَسَنٌ. وهما مختلِفان؛ لأن المتصدِّقَ علانيةً إذا لم يَقْصِدِ الرياءَ فحَسَنٌ، وإن كان الإسرارُ أحسنَ، وليس في وصفِ حالتَيِ المتصدِّقَيْن بالحُسْنِ وصفُ إحداهما بالإثمِ، وقد أخبرَ اللَّهُ ﷿ عن النافرَيْن بنفيِ الإثمِ عنهما، ومُحالٌ أن يَنْفِيَ عنهما إلا ما كان في تَرْكِه الإثمُ، على ما تأوَّله قائلو هذه المقالةِ. وفي إجماعِ الجميعِ على أنهما جميعًا لو تَرَكا النَّفْرَ، وأقاما بمِنًى لم يكونا


(١) يعني بالصفة: حرف الجر.
(٢) بعده في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "ما".