للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتابِه، فقال تعالى ذِكرُه: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢]. وفي نفْيِ اللَّهِ جل ثناؤه ذلك عن حكمِ كتابِه، أوضحُ الدليلِ على أنه لم يُنَزِّلْ كتابَه على لسانِ محمدٍ ﷺ إلا بحكمٍ واحدٍ مُتَّفِقٍ في جميعِ خلقِه، لا بأحكامٍ فيهم مختلفةٍ.

وفي صحةِ كونِ ذلك كذلك ما يُبْطِلُ دعوى مَن ادَّعى خلافَ قولِنا في تأويلِ قولِ النبيِّ ﷺ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ". للذين تخاصَموا إليه عندَ اختلافِهم في قراءتِهم؛ لأنه ﷺ قد أمَر جميعَهم بالثبوتِ على قراءتِه، ورضِي قراءةَ كلِّ قارئٍ منهم - على خلافِها قراءةَ خصومِه ومُنازِعيه فيها - وصوَّبها.

ولو كان ذلك منه تصويبًا فيما اخْتَلَفت فيه المعاني، وكان قولُه (١) ﷺ: "أُنْزِلَ عَلَيَّ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ". إعلامًا منه لهم أنه نزَل بسبعةِ أوجهٍ مختلفةٍ، وسبعةِ معانٍ مُفْتَرِقةٍ - كان ذلك إثباتًا لما قد نفَى اللَّهُ عن كتابِه مِن الاختلافِ، ونفيًا لما قد أوْجَب له مِن الائْتِلافِ.

مع أن في قيامِ الحجةِ بأن النبيَّ ﷺ لم يَقْضِ في شيءٍ واحدٍ في وقتٍ واحدٍ بحكمين مختلفين ولا أذِن بذلك لأمتهِ - ما يُغْنِي عن الإكثارِ في الدَّلالةِ على أن ذلك مَنْفيٌّ عن كتابِ اللَّهِ.

وفي انتفاءِ ذلك عن كتابِ اللَّهِ وجوبُ صحّةِ القولِ الذي قلْناه في معنى قولِ النبيِّ ﷺ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ". عندَ اخْتِصامِ المُخْتَصِمِين إليه فيما اخْتَلَفوا فيه مِن (٢) تلاوةِ ما تَلَوْه مِن القرآنِ، وفسادِ تأويلِ قولِ مَن خالَف قولَنا في ذلك.


(١) بعده في ر: "لهم".
(٢) في ص، ت ١: "في".