للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وطريقُ الشيطانِ الذي نهاهم أن يَتَّبعوه هو ما خالَف حكمَ الإسلامِ وشرائعَه، ومنه تسبيتُ السبتِ وسائرُ سُنَنِ أهلِ المِلَلِ التي تُخَالِفُ ملَّةَ الإسلامِ، وقد بيَّنْتُ معنى الخطواتِ بالأدلَّةِ الشاهدةِ على صحَّتِه فيما مضَى، فكرِهْتُ إعادتَه في هذا المَوضِعِ (١).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩)﴾.

يعني جلَّ ثناؤُه بذلك: فإن أخْطَأتم الحَقَّ، فضَلَلْتُم عنه، وخالَفتم الإسلامَ وشرائعَه، مِن بعدِ ما جاءتكم حُجَجي وبيِّنَاتُ هدايَ، واتَّضَحت لكم صحةُ أمرِ الإسلامِ بالأدلةِ التي قطَعت عذرَكم أيُّها المؤمنون، فاعْلَموا أن اللَّهَ ذو عزَّةٍ، لا يمنعُه مِن الانتقامِ منكم مانعٌ، ولا يَدْفَعُه عن عُقوبتِكم على مخالفتِكم أمرَه ومعصيتِكم إيَّاه دافعٌ، حكيمٌ فيما يفعلُ بكم مِن عقوبةٍ، على معصيتِكم إيَّاه بعدَ إقامةِ الحُجَّةِ عليكم، وفي غيرِه مِن أمورِه.

وقد قال عددٌ مِن أهلِ التأويلِ: إن البيناتِ هي محمدٌ والقرآنُ. وذلك قريبٌ مِن الذي قلنا في تأويلِ ذلك؛ لأن محمدًا والقرآنَ مِن حُجَجِ اللَّهِ على الذين خُوطِبوا [بهذه الآيةِ] (٢)، غيرَ أن الذي قلناه في تأويلِ ذلك أَوْلَى بالحقِّ؛ لأن اللَّهَ قد احتجَّ على مَن خالَف الإسلامَ مِن أحبارِ أهلِ الكتابِ، بما عهِد إليهم في التوراةِ والإنجيلِ، وتقدَّمَ إليهم على ألسُنِ أنبيائهم بالوَصاةِ به، فذلك وغيرُه مِن حُجَجِ اللَّهِ عليهم مع ما لزِمهم مِن الحُجَّةِ بمحمدٍ وبالقرآنِ، فلذلك اختَرنا ما اختَرنا مِن


(١) ينظر ما تقدم في ٣٦ - ٣٨.
(٢) في م: "بهاتين الآيتين".