للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد بيَّنَّا معنى "الغمامِ" فيما مضَى مِن كتابِنا هذا قبلُ، فأغْنَى ذلك عن تكريرِه؛ لأن معناه ههنا هو معناه هنالك (١).

فمعنى الكلام إِذن: هل ينتظِرُ التاركون الدخولَ في السِّلْمِ كافَّةً، والمُتَّبِعون خُطواتِ الشيطانِ، إلَّا أن يأتيَهم اللَّهُ في ظللٍ من الغمامِ، فيَقْضِيَ في أمرِهم ما هو قاضٍ.

كما حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ محمدٍ المُحاربيُّ، عن إسماعيلَ بنِ رافعٍ المَدَنيِّ، عن يزيدَ بنِ أبي زيادٍ، عن رجلٍ من الأنصارِ، عن محمدِ بنِ كعبٍ القُرَظيِّ، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ اللَّهِ : "تُوقَفون مَوْقِفًا واحدًا يومَ القيامةِ مقدارَ سبعين عامًا، لا يُنْظَرُ إليكم، وَلا يُقْضَى بينكم، قد حُصِر عليكم، فتَبْكون حتى يَنْقَطِعَ الدمعُ، ثم تدمَعون دمًا، وتبكون حتى يبلُغَ ذلك منكم الأذقانَ، أو يُلْجِمَكم فتَضِجُّون (٢)، ثم تقولون: مَن يَشْفَعُ لنا إلى ربِّنا فيَقضِيَ بيننا؟ فيقولون: مَن أحقُّ بذلك مِن أبيكم آدمَ؛ جبَل اللَّهُ تربتَه (٣)، وخلَقه بيدِه، ونفَخ فيه مِن رُوحِه، وكلَّمه قِبَلًا. فيُؤْتَى آدمُ، فيُطْلَبُ ذلك إليه، فيَأْبَي، ثم يَسْتَقْرِئون الأنبياءَ نبيًّا نبيًّا، كلَّما جاءوا نبيًّا أبَى". قال رسولُ اللَّهِ : "حتى يأتوني، فإذا جاءوني خرَجتُ حتى آتِيَ الفَحْصَ". قال أبو هريرةَ: يا رسولَ اللَّهِ، وما الفَحْصُ؟ قال: "قُدَّامُ العرشِ، فأَخِرَّ ساجدًا، فلا أزالُ ساجدًا حتى يبعثَ اللَّهُ إليَّ مَلَكًا، فيأخُذَ بعَضُدِي فيَرْفَعَني، ثم يقولُ اللَّهُ لي: يا (٤) محمدُ. فأقولُ: نعم -


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٦٩٨ وما بعدها.
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "تصيحون"، وهي رواية الطبراني.
(٣) جبل التربة: خلقها. اللسان (ج ب ل).
(٤) سقط من: الأصل.