للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كافرًا به فيعفو. ولذلك قال جل ثناؤه: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾. وإن كانت أمورُ الدنيا كلُّها والآخرةِ مِن عندِه مَبْدَؤُها وإليه مصيرُها، إذ كان خلقُه في الدنيا يتظالمون، ويَلِي النظرَ بينهم أحيانًا في الدنيا بعضُ خلقِه، والحكمَ (١) بينهم بعضُ عبيدِه، فيَجورُ بعضٌ، ويَعْدِلُ بعضٌ، ويُصِيبُ واحدٌ، ويُخْطِئُ آخرُ، ويُمْكِنُ (٢) تنفيذُ الحكمِ على بعضٍ، ويَتَعذَّرُ ذلك على بعضٍ لمَنَعَةِ جانبِه وغَلَبتِه بالقوةِ.

فأعْلَم عبادَه تعالى ذكرُه أن مرجعَ ذلك كلِّه إليه في موقفِ القيامةِ، فيُنْصِفُ كُلًّا من كلٍّ، ويُجَازِي حقَّ الجزاءِ كلًّا، حيثُ لا ظُلمَ ولا مُمْتَنَعَ مِن نفوذِ حكمِه عليه، وحيثُ يَسْتوِي الضعيفُ والقويُّ، والفقيرُ والغنيُّ، ويَضْمحِلُّ الظلمُ، ويَنزِلُ سلطانُ العدلِ.

وإنما أدْخَل - جل وعز - الألفَ واللامَ في "الأمورِ"؛ لأنه جل ثناؤُه عنَى بها جميعَ الأمورِ، ولم يَعْنِ بها بعضًا دونَ بعضٍ، فكان ذلك بمعنى قولِ القائلِ: يُعْجِبُني العسلُ. و: البغلُ أقوى مِن الحمارِ. فيُدْخِلُ فيه الألفَ واللامَ؛ لأنه لم يَقْصِدْ به قَصْدَ بعضٍ دونَ بعضٍ، وإنما يُرادُ به العمومُ والجمعُ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ﴾.

يعني جل ثناؤُه بذلك: سل يا محمدُ بني إسرائيلَ الذين لا يَنْتظِرون بالإنابةِ إلى طاعتِي والتوبةِ إليَّ بالإقرارِ بنبوتِك وتصديقِك فيما جِئتَهم به مِن عندِي، إلا أن آتيَهم في ظُللٍ مِن الغمامِ وملائكتِي، فأفْصِلَ القضاءَ بينَك وبينَ مَن آمَن بك وصدَّقك بما أنزَلتُ إليك مِن كُتبِي، وفرضْتُ عليك وعليهم مِن شرائعِ دينِي،


(١) في م: "فيحكم".
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "و".