للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذنوبِ، لا يعودون فيها (١).

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: إن اللهَ يُحِبُّ التوَّابين من الذنوبِ، ويُحِبُّ المتطهِّرين بالماءِ للصلاةِ؛ لأن ذلك هو الأغلبُ من ظاهرِ معانيه. وذلك أن اللهَ تعالى ذكرُه ذكَر أمرَ المحيضِ، فنهاهم عن أمورٍ كانوا يفعلونها في جاهليتِهم؛ مِن تركِهم مُساكنةَ الحائضِ ومُؤاكلتَها ومُشاربتَها، وأشياءَ غيرَ ذلك مما كان تعالى ذكرُه يَكْرَهُها من عبادِه، فلمَّا اسْتَفتى أصحابُ رسولِ اللهِ [رسولَ اللهِ] (٢) عن ذلك أوحى اللهُ تعالى إليه في ذلك، فبينَّ لهم ما يَكْرَهُه مما يرضاه ويُحِبُّه، وأخبَرَهم أنه يُحِبُّ مِن خَلقِه مَن أناب إلى رضاه ومحبَّتِه، تائبًا ممَّا يَكْرَهُه، وكان ممَّا بيَّن لهم من (٣) ذلك أنه قد حرَّم عليهم إتيانَ نسائِهم وإن طهُرنَ من حيضِهن حتى يَغْتَسِلْنَ، ثم قال: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ﴾ فإن اللهَ يُحِبُّ المتطهِّرين. يعني بذلك المتطهِّرين من الجنابةِ والأحداثِ للصلاةِ، والمتطهِّراتِ بالماءِ من الحيضِ والنِّفاسِ والجنابةِ والأحداثِ من النساءِ. وإنما قال: ﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ ولم يقل: المتطهراتِ. وإنما جرَى قبلَ ذلك ذكرُ التطهُّرِ للنساءِ؛ لأن ذلك بذكرِ المتطهرين يَجْمَعُ الرجالَ والنساءَ، ولو ذُكِر ذلك بذكرِ المتطهِّراتِ لم يكنْ للرجالِ في ذلك حظٌّ، وكان للنساءِ خاصَّةً، فذكَر اللهُ تعالى ذكرُه بالذكرِ العامِّ جميعَ عبادِه المُكلَّفين، إذ كان قد تعبَّد جميعَهم بالتطهُّرِ بالماءِ، وإن اخْتَلفت الأسبابُ التى تُوجِبُ التطهُّرَ عليهم بالماءِ في بعضِ المعانى واتَّفقت في بعضٍ.


(١) ذكره البغوي في تفسيره ١/ ٢٥٩.
(٢) سقط من م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٣) في النسخ: "مع". والمثبت هو الصواب.