للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الآيةُ التي في سورةِ "البقرةِ"، فإنها إنما دَلَّتْ على إباحةِ اللهِ تعالى ذكرُه له أخذَ الفِدْيهَ منها في حالِ الخوفِ عليهما ألا يُقيما حُدودَ اللهِ بنُشوزِ المرأةِ، وطَلَبِها فِرَاقَ الرجلِ، ورغبتِه فيها، فالأمرُ الذي أُذِن به للزوجِ في أخذِ الفديةِ من المرأةِ في سورةِ "البقرةِ" ضدُّ الأمرِ الذي نُهِيَ من أجلِه عن أخذِ الفديةِ في سورةِ "النساءِ"، كما الحَظْرُ في سورةِ "النساءِ" غيرُ الطلاقِ (١) والإباحةِ في سورةِ "البقرةِ"، فإنما يجوزُ في الحُكْمَينْ أن يقالَ: أحدُهما ناسخٌ. إذا اتفقتْ معاني المحكومِ فيه، ثم خُولِف بينَ الأحكامِ فيه باختلافِ الأوقاتِ والأزمنةِ. وأما اختلافُ الأحكامِ باختلافِ معاني المحكومِ فيه في حالٍ واحدةٍ ووقتٍ واحدٍ، فذلك هو الحكمةُ البالغةُ، والمفهومُ في العقلِ والفطرةِ، وهو من الناسخِ والمنسوخِ بمَعْزِلٍ.

وأما الذي قاله الرَّبيعُ بنُ أنسٍ من أن معنى الآيةِ: فلا جُناحَ عليهما فيما افتدتْ به منه - يعني بذلك: مما آتَيْتُمُوهُنَّ - فنظيرُ قولِ بَكْرٍ في دَعواه نسخَ قولِه: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ بقولِه: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ لادِّعائه في كتابِ اللهِ ما ليس موجودًا في مصاحفِ المسلمين رَسْمُه.

ويقالُ لمن قال بقولِه: قد قال مَن قد عَلِمْتَ مِن أئمةِ الدينِ: إنما معنى ذلك: فلا جُناحَ عليهما فيما افتدتْ به من مِلْكِها. فهل مِن حُجّةٍ [تَبِينُ بها منهم] (٢) غيرُ الدَّعْوَى؟ فقد احتجُّوا بظاهرِ التنزيلِ، وادَّعَيْتَ فيه خُصوصًا. ثم يُعكَسُ عليه القولُ في ذلك، فلن يقولَ في شيءٍ من ذلك قولًا إلا أُلْزِمَ في الآخرِ مثلَه. وقد بَيّنّا الأدلةَ بالشواهدِ على صحةِ قولِ مَن قال: للزوجِ أن يأخُذَ منها كلَّ ما أَعْطَتْه المُفْتَدِيةُ التي


(١) كذا في النسخ. والصواب: "الإطلاق" لتكافئ معنى الإباحة إلا أن يكون المصنف أراد بها "الإطلاق". وينظر تعليق الشيخ شاكر.
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "تبين تهافتهم". وما في "ص" أقرب وجوهه إلى الصواب أن يكون كما أثبتنا، ومعناه: تفترق وتمتاز بها عنهم.