للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال لنا قائلٌ: فإن اللَّهَ تعالى ذكرُه قد بيَّن ذلك بقولِه: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾. فجعَل ذلك حدًّا للمَعْنَيَيْن كليهما، فغيرُ جائزٍ أن يكونَ حملٌ ورَضاعٌ أكثرَ مِن الحدِّ الذي حدَّه اللَّهُ تعالى ذكرُه، فما نقَص مِن مدةِ الحملِ عن تسعةِ أشهرٍ، فهو مَزيدٌ في مدةِ الرضاعِ، وما زِيدَ في مدةِ الحملِ نَقَص مِن مدةِ الرَّضاعِ، وغيرُ جائزٍ أن يُجاوَزَ بهما كليهما مدةَ ثلاثين شهرًا، كما حدَّه اللَّهُ تعالى ذكرُه؟

قيل له: فقد يَجِبُ أن يَكونَ مدةُ الحملِ - على هذه المقَالةِ - إن بلَغَت حولين كاملين، ألا يُرْضَعَ المولودُ إلا ستةَ أشهرٍ، وإن بلَغَت أربعَ سنينَ أن يَبْطُلَ الرَّضاعُ فلا يُرْضِعَ؛ لأن الحملَ قد اسْتَغْرَق الثلاثين شهرًا، وجاوَز غايتَه، أو يَزْعُمُ قائلُ هذه المقالةِ أن مدةَ الحملِ لن تُجاوِزَ تسعةَ أشهرٍ، فيَخْرُجَ من قولِ جميعِ الحُجَّةِ، ويُكابِرَ الموجودَ والمُشاهَدَ، وكفَى بهما حُجَّةً على خطأ دَعْواه إن ادَّعَى ذلك. فإلى أيِّ الأمرين لجَأ قائلُ هذه المقالةِ وضَح (١) لذَوِي الفَهْمِ فسادُ قولِه.

فإن قال لنا قائلٌ: فما معنى قولِه - إن كان الأمرُ على ما وصَفْتَ -: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾. وقد ذكَرْتَ آنِفًا أنه غيرُ جائزٍ أن يكونَ ما جاوَز حدَّ اللَّهِ تعالى ذكرُه نظيرَ ما دونَ حدِّه في الحكمِ، وقد قلتَ: إن الحملَ والفِصالَ قد يُجاوِزان ثلاثين شهرًا؟

قيل: إن اللَّهَ تعالى ذكرُه لم يَجْعَلْ قولَه: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾. حدًّا تعَبَّد عبادَه بألا يُجاوِزُوه كما جعَل قولَه: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾. حَدًّا لرَضاعِ المولودِ الثابتِ (٢) الرضاعِ، وتعَبَّد


(١) في ص، ت ١، ت ٢: "صح".
(٢) في م: "التام".