للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ماذا. فيَرْفَعون "تُرِيدُ"؛ لأنه لا جالِبَ لـ "أن" قبلَه، كما كان له جالبٌ قبلَ "تَصْنَع". فلو كان معنى قولِه: (لا تُضارُّ). إذا قُرِئ رفعًا بمعنى: يَنْبَغي ألا تُضارَّ، أو ما يَنْبَغِي أن تُضارَّ. ثم حُذِف "يَنْبَغِي" و"أن"، وأُقِيم "تُضارُّ" مُقامَ "يَنْبَغِي"، لكان الواجبُ أن يَقْرَأَ - إذا قُرِئ بذلك المعنى - نصبًا لا رفعًا، ليُعْلَمَ بنصبِه المتروكُ قبلَه المعنيُّ المرادُ، كما فُعِل بقَوْلِهم (١): فتَصْنَعَ ماذا. ولكن معنى ذلك ما قلنا إذا رُفِع على العطفِ على ﴿لَا تُكَلَّفُ﴾: ليست تُكَلَّفُ نفسٌ إلَّا وُسْعَها، وليست تُضارُّ والدةٌ بولدِها. يعني بذلك أنه ليس ذلك في دينِ اللَّهِ وحُكْمِه وأخلاقِ المسلمين.

وأولى القراءتيْن بالصوابِ في ذلك قراءةُ مَن قرَأ بالنصبِ (٢)؛ لأنَّه نهيٌ مِن اللَّهِ تعالى ذكرُه كلَّ واحدٍ مِن أبوَيِ المولودِ عن مُضارَّةِ صاحبِه له، حرامٌ عليهما ذلك بإجماعِ المسلمين، فلو كان ذلك خبرًا لكان حرامٌ عليهما ضِرارَهما به كذلك.

وبما قلْنا (٣) من أن ذلك بمعنى النهيِ، تأوَّله أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مُجاهِدٍ: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾: لا تَأْبَى أن تُرْضِعَه ليَشُقَّ ذلك على أبيه، ولا يُضَارُّ الوالدُ بولدِه، فيَمْنَعَ أمَّه أن تُرْضِعَهُ ليَحْزُنَها (٤).

حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.


(١) في م: "بقوله".
(٢) والقراءتان متواترتان وكلتاهما صواب.
(٣) بعده في م: "في ذلك".
(٤) في ص: "فيحزنها"، والأثر في تفسير مجاهد ص ٢٣٧، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٤٣٠ (٢٢٧٧).