للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دُنياهم ودينِهم وأنفسِهم وأموالهم، كما أحيا الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حَذَرَ الموتِ بعد إمانَتِه إياهم، وجعَلهم لخلقِه مَثَلًا، وعِظَةً يَتَّعِظُون بهم، وعِبْرةً يَعْتَبرون بهم، وليَعْلَمُوا أن الأمورَ كلَّها بيدِه، فيَسْتَسْلِمُوا لقضائه، ويَصْرِفُوا الرغبةَ كلَّها والرهبة إليه.

ثم أخبرَ تعالى ذكرُه أن أكثرَ (١) مَن يُنْعِمُ عليه من عباده بنِعَمِه الجليلة، ويَمُنُّ عليه بمننه الجسيمةِ، يَكْفُرُ به، ويَصْرِفُ الرغبة والرهبة إلى غيره، ويَتَّخِذُ إلهًا مِن دونِه؛ كُفْرانًا منه لنِعَمِه التي يُوجِبُ أصغرُها عليه من الشكرِ ما يَفْدَحُه (٢)، ومِن الحَمْدِ ما يُثْقِلُه، فقال تعالى ذكره: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾. يَقُولُ: لا يَشْكُرون نِعْمَتىَ التي أَنْعَمْتُها عليهم، وفَضْلِيَ الذي تَفَضَّلْتُ به عليهم؛ بعبادتِهم غيرى وصَرْفهم رغبتَهم ورهبتَهم إلى مَن دُونِى ممن لا يَمْلِكُ لهم ضرًّا ولا نَفْعًا، ولا يَمْلِكُ موتًا ولا حياةً ولا نُشورًا.

القولُ في تأويل قوله: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤)﴾.

يعنى تعالى ذكرُه بذلك: وقاتلوا أيُّها المؤمنون في سبيل الله - يعني: في دينه الذي هَدَاكم له، لا في طاعةِ الشيطانِ - أعداءَ دينِكم الصَّادِّين عن سبيل ربِّكم، ولا [تحتَموا عن قتالِه عندَ] (٣) لقائِهم، ولا تَجبُنُوا (٤) عن حربهم، فإنَّ بيدى حياتكم وموتَكم، ولا يَمْنَعنَّ أحدَكم مِن لقائِهم وقتالِهم حَذَرُ الموتِ وخَوْفُ المنية على نفسه


(١) في ص، ت ١، ت ٢: "كل".
(٢) يفدحه يعنى: يثقله. اللسان (ف د ح).
(٣) في م، ت ١: "تجبنوا عن".
(٤) في م، ت ١: "تقعدوا".