للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجهادِ في سبيلِه، فإنكم أهلُ نُكْثٍ وغَدْرٍ، وقلَّةِ وفاءٍ بما تَعِدُونَ. ﴿قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾. يعنى: قال الملأُ مِن بني إسرائيلَ لنبيِّهم ذلك: وأيُّ شيءٍ يمنعُنا أن نُقَاتِلَ في سبيلِ اللهِ عدوَّنا وعَدُوَّ اللهِ، ﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾ بالقهرِ والغلبةِ؟.

فإن قال لنا قائلٌ: وما وجهُ دخولِ "أَنْ" في قولِه: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾؟ وحَذْفِه مِن قولِه: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ﴾؟ [الحديد: ٨].

قيل: هما لُغتان فصيحتان للعرب، تَحْذِفُ "أن" مرةً مع قولِها (١): ما لك؟ فتقولُ: ما لك لا تَفْعَلُ كذا؟ بمعنى: ما لك غيرُ فاعلِه؟ كما قال الشاعرُ (٢):

ما لَكِ تَرْغِينَ ولا تَرْغُو الخَلِفْ (٣)

وذلك هو الكلامُ الذي لا حاجةَ بالمتكلمِ به إلى الاستشهادِ على صحتِه لفُشُوِّ ذلك على ألسنِ العربِ.

وتُثْبِتُ "أن" فيه أُخرى؛ توجيهًا لقولِها: ما لك؟ إلى معناه (٤)، إذ كان معناه: ما منَعك؟ كما قال تعالى ذكرُه: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ [الأعراف: ١٢]. ثم قال في سورةٍ أُخرى في نظيرِه: ﴿مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٣٢]. فوضَع ﴿مَا مَنَعَكَ﴾ موضعَ ﴿مَا لَكَ﴾، و ﴿مَا لَكَ﴾ موضعَ ﴿مَا مَنَعَكَ﴾؛ لاتِّفاقِ


(١) في النسخ: "قولنا". والمثبت يوافق ما سيأتي في كلام المصنف.
(٢) معاني القرآن للفراء ١/ ١٦٣، واللسان (خ ل ف).
(٣) الخلف: جمع خلفة، والخلفة: الناقة الحامل، وقيل: هي التي استكملت سنة بعد النتاج ثم حمل عليها فلقحت. اللسان (خ ل ف).
(٤) أي أن معناه المنع.