للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَعْنَيَيْهما وإن اختلَفت ألفاظُهما، كما تَفْعَلُ العربُ ذلك في نظائرِه مما تَتَّفِقُ معانيه وتَخْتَلِفُ ألفاظُه، كما قال الشاعرُ (١):

يَقُولُ إذا اقْلَوْلَى (٢) عليها وأَقْرَدَتْ (٣) … أَلَا هَلْ أَخو عَيشٍ لَذِيذٍ بدَائمِ؟

فأَدْخَل في "دائم" الباءَ مع "هل" وهى استفهامٌ، وإنما تَدْخُلُ في خبرِ "ما" التي في معنى الجَحْدِ؛ لتقاربِ معنى الاستفهامِ والجَحْدِ.

وكان بعضُ أهلِ العربيةِ يَقُولُ (٤): أُدخِلَت "أنْ" في: ﴿أَلَّا تُقَاتِلُوا﴾؛ لأنه بمعنى قولِ القائلِ: ما لك في ألا تُقاتِلَ؟ ولو كان ذلك جائزًا لجاز أن يقالَ: ما لك أن قُمْتَ؟ وما لك أنك قائمٌ؟ وذلك غيرُ جائزٍ؛ لأَنَّ المنعَ إِنما يَكُونُ للمُسْتَقْبَلِ مِن الأفعالِ، كما يقالُ: منَعتُك أن تقومَ. ولا يقالُ: منَعتُك أن قمتَ. فلذلك قيل في ما لك: ما لك ألا تَقُومَ؟ ولم يُقَلْ: مالك أن قُمْتَ؟

وقال آخرون منهم (٥): "أن" ههنا زائدةٌ بعد ["ما لنا" كما تزادُ] (٦) "لما" و "لو" وهى تُزادُ في هذا المعنى كثيرًا. قال: ومعناه: وما لنا لا تُقَاتِل في سبيلِ اللهِ؟ فأعمَل "أن"، وهى زائدةٌ، وقال الفرزدَقُ (٧):


(١) هو الفرزدق، والبيت في ديوانه ص ٨٦٣.
(٢) اقلولي: ارتفع وعلا. اللسان (ق ل و).
(٣) أقردت: ذلَّت. اللسان (ق ر د).
(٤) هو الكسائي، كما ذكر الفراء في معاني القرآن ١/ ١٦٥.
(٥) هو أبو الحسن الأخفش. ينظر مغني اللبيب ص ٣٣.
(٦) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فلما و"، وفى م: "ما فلما و". والمثبت كما أثبته الشيخ شاكر.
(٧) ديوانه ص ٢٨٣، ورواية الشطر الثاني:
إليَّ لام ذوو أحلامهم عمرا