للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في قولِه: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ﴾ الآية. قال: كان موسى فيما ذُكر لنا ترك التابوتَ عند فتاه يُوشَعَ بن نُونٍ وهو في البَرِّيَّةِ، فذُكر لنا أن الملائكةَ حملته من البرِّيَّة حتى وضَعَته في دارِ طالوتَ، فأصبح التابوتُ في داره (١).

وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله ابن عباسٍ ووَهَبُ بنُ مُنَبِّهٍ، من أن التابوتَ كان عند عدوٍّ لبنى إسرائيلَ كان سلَبَهموه، وذلك أن الله تعالى ذكرُه قال مُخْبِرًا عن نبيِّه في ذلك الزمانِ قولَه لقومِه من بنى إسرائيلَ: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ﴾ والألفُ واللامُ لا تَدْخُلان في مثل هذا من الأسماء إلا في معروف عند المُتخاطبين به، وقد عَرَفه المُخبَرُ والمُخبَرُ، فقد عُلِم بذلك أن معنى الكلام: إن آيَةَ مُلْكِه أن يأتِيَكم التابوتُ الذي قد عَرَفْتُموه، الذي كنتم تَستَنصرون به، فيه سكينةٌ من ربِّكم. ولو كان ذلك تابوتًا من التوابيت غيرَ معلوم عندَهم قَدْرُه، ومَبْلَغُ نَفْعِه قبل ذلك، لقيلَ: إن آيةَ مُلْكِه أن يأتِيَكم تابوتٌ فيه سَكِينةٌ من ربِّكُم.

فإن ظنَّ ذو غفلةٍ أنهم كانوا قد عَرَفوا ذلك التابوت، وقَدْرَ نَفْعِه وما فيه وهو عند موسى ويُوشَعَ، فإن ذلك ما لا يخفى خطؤُه، وذلك أنه لم يَبلُغنا أن موسى لاقَى عدوًّا قطُّ بالتابوتِ، ولا فتاه يُوشَعَ، بل الذي يُعرَفُ من أمر موسى وأمرِ فرعونَ، ما قصَّ اللهُ من شأنهما، وكذلك أمره وأمر الجبَّارين، وأما فتاه يُوشَعُ، فإن الذين قالوا هذه المقالةَ، زعموا أن يُوشَعَ خلفَه في التِّيهِ حتى رُدَّ عليهم (٢) حين ملك طالوتُ، فإن كان الأمرُ على ما وصَفوه، فأيُّ الأحوالِ للتابوتِ الحالُ التي عَرَفوه فيها فجاز أن يقالَ: إن آيَةَ مُلْكه أن يأتيَكم التابوتُ الذي قد عَرَفْتُموه، وعَرَفتم أمره؟ وفى فَسادِ هذا القول بالذي ذكَرنا، أبْيَنُ الدَّلالة على صحةِ القولِ الآخَرِ، إذ لا قولَ في ذلك


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٤٦٧ (٢٤٧٠) من طريق ابن أبي جعفر به.
(٢) في ص، ت ١، س: "عليه".