للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعنى قولِه: ﴿لَمْ يَطْعَمْهُ﴾: لم يَذُقْه. يعنى: ومَن لم يَذُقْ ماءَ ذلك النَّهَرِ فهو مِنِّى. يقولُ: هو من أهلِ ولايتى وطاعتى، والمؤمنين بالله وبلقائِه. ثم استَثْنَى من قولِه: ﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ﴾. المُغْتَرِفِين بأيديهم غُرْفَةً، [فقال: و] (١) مَن لم يَطْعَمْ (٢) ماءَ ذلك النهرِ إِلا غُرْفَةً يَغْتَرفُها بيدِه، فإِنه مِنِّي.

ثم اختلَفت القَرَأَةُ في قراءةِ قولِه: ﴿إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾. فقرَأه عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ والبصرةِ: (غَرْفَةً) بِنَصْبِ الغَيْنِ من الغَرْفِةِ، بمعنى الغَرْفَةِ الواحدةِ، من قولِك: اغتَرفتُ غَرْفَةً. والغَرْفَةُ هي الفعلُ بعينِه من الاغْتِرافِ.

وقرَأه آخرون بالضَّمِّ، بمعنى الماءِ الذي يَصِيرُ في كَفِّ المُغْتَرِفِ، فالغُرْفةُ الاسمُ، والغَرْفةُ المصدرُ (٣).

وأعجبُ القراءتين في ذلك إليَّ ضَمُّ الغَيْنِ في "الغُرْفَةِ" بمعنى: إلا مَنِ اعْتَرَف كَفًّا من ماءٍ. لاختلافِ"غرْفة" إذا فُتِحَت غَيْنُها، وما هي له مصدرٌ. وذلك أن مصدرَ "اعْتَرَف" "اغتِرافةٌ"، وإنما "غَرْفَةٌ" مصدرُ "غَرَفْت"، فلما كانت "غَرْفةٌ" مُخالِفةً مصدرَ "اغتَرَف"، كانت الغُرْفةُ التي بمعنى الاسمِ على ما قد وصَفْنا أشبهَ منها بالغَرْفةِ التي هي بمعنى الفعلِ.

وذُكرِ لنا أن عامَّتَهم شَرِبوا مِن ذلك الماءِ، فكان مَن شَرِب منه عَطِش، ومَن اعْتَرَف غُرْفَةً رَوِى.


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "فقالوا".
(٢) بعده في ص: "ومن لم يطعم" وفى ت ١، ت ٣، س: "ومن يطعم"، وفى ت ٢: "وإن لم يطعم".
(٣) والقراءة الأولى - بنصب الغين - قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو، وقراءة الباقين بضم الغين. حجة القراءات ص ١٤٠.