للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنهم [أَتَوْا ما أَتَوْا] (١) من الكفرِ والمعاصى بعدَ علمِهم بقيامِ الحجةِ عليهم بأنَّهم على خطأ، تَعَمُّدًا منهم للكفرِ باللهِ وآياتِه. ثم قال تعالى ذكرُه لعبادِه: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا﴾. يقولُ: ولو أراد اللهُ أن يَحْجُرَهم بعِصْمَتِه وتوفيقِه إيَّاهم عن معصيتِه فلا يَقْتَتِلُوا، ما اقْتَتَلُوا ولا اختلَفوا، ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ بأن يُوَفِّقَ هذا لطاعتِه والإيمانِ به، فيُؤْمِنَ به ويُطِيعَه، ويَخْذُلَ هذا فيَكْفُرَ به ويَعْصِيَه.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)﴾.

يعنى تعالى ذكرُه بذلك: يأيُّها الذين آمنوا أنفِقوا في سبيلِ اللهِ مما رزَقْناكم من أموالِكم، وتصَدَّقُوا منها، وآتُوا منها الحقوقَ التي فَرَضْناها عليكم.

وكذلك كان ابن جُريجٍ يقولُ فيما بلَغنا عنه (٢).

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجّاجٌ، عن ابن جُريج قولَه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ﴾. قال: من الزكاةِ والتَّطَوُّعِ (٣).

﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ﴾ يقولُ: ادَّخِروا لأنفسِكم عندَ اللهِ في دنياكم من أموالِكم؛ بالنفقةِ منها في سبيلِ اللهِ، والصدقةِ على أهلِ المَسْكنةِ والحاجةِ، وإيتاءِ ما فرَض اللهُ عليكم فيها، وابْتاعُوا بها ما عندَه مما أعدَّه لأوليائِه من الكرامةِ، بتقديمِ ذلك لأنفسِكم، ما دام لكم السبيلُ إلى ابْتياعِه، بما نَدَبْتُكم إليه وأمَرْتُكم به من النفقةِ من أموالِكم، ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ﴾


(١) في ص، ت ٢، س: "أتوا ما أنزل"، وفى ت ١: "أبوا ما أنزل".
(٢) بعده في ص، ت ١، ت ٢: "يقول".
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٣٢٢، إلى المصنف وابن المنذر.