للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال قائلٌ: فإن كان الأمرُ على ما وصَفتَ، فما وجهُ قولِه: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾. وهم لا يسألون الناسَ إلحافًا ولا (١) غيرَ إلحافٍ؟

قيل له: وجهُ ذلك أن الله تعالى ذكرُه لمّا وصَفهم بالتعفُّفِ، وعرَّف عبادَه أنهم ليسوا أهلَ مسألةٍ بحالٍ، بقولِه: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾. وأنهم إنما يُعْرَفون بالسيما، زاد عبادَه إبانةً لأمرِهم، وحُسْنَ ثناءٍ عليهم، بنَفْى الشَّرَةِ والضَّراعةِ التي تكونُ في المُلحِّين من السُّؤَّالِ عنهم، [وقد كان بعضُ القائلين يقولُ في ذلك: هو نظيرُ قولِ القائلِ] (٢): قلَّما رأيتُ مثلَ فلانٍ. ولعلَّه لم يرَ مثله أحدًا ولا له (١) نظيرًا.

وبنحوِ الذي قُلنا في معْنى "الإلحافِ" قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّديِّ: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾. قال: لا يُلْحِفون في المسألةِ.

وحدَّثني يونسُ، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾: هو الذي يُلِحُّ في المسألةِ (٣).

وحدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾: ذُكِر لنا أن نبيَّ اللهِ ما كان يقولُ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الحليمَ


(١) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "وقال كاد بعض القائلين يقول في ذلك نظير قول القائل". وفى م: "وقال كان بعض القائلين يقول في ذلك نظير قول القائل".
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٣٥٩ إلى المصنف.