للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خبرٌ، تَرُدُّه على إعرابِ الأولِ مرةً، وتَسْتَأْنِفُه ثانيةٌ بالرفعِ، وتَنْصِبُه في التامِّ مِن الفعلِ والناقصِ، وقد جُرَّ ذلك كلُّه، فخُفِض على الردِّ على أولِ الكلامِ، كأنه (١) يعنى إذا خفَض ذلك: (٢) فكنتُ كذى رِجْلَينِ: كذِى رجلٍ صحيحةٍ ورجلٍ سقيمةٍ. وكذلك الخفضُ في قولِه: ﴿فِئَةٌ﴾ جائزٌ على الردِّ على قولِه: ﴿فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾: في فئةٍ تُقاتِلُ في سبيلِ اللَّهِ.

وهذا وإن كان جائزًا في العربيةِ، فلا أَسْتَجِيزُ القراءةَ به؛ لإجماعِ الحُجَّةِ مِن القرَأةِ علَى خلافِه. ولو كان قولُه: ﴿فِئَةٌ﴾ جاء نصبًا كان جائزًا أيضًا على قولِه: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾: مُخْتَلِفَتَين.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾.

اختَلَفَت القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأَتْه قرأةُ أهلِ المدينةِ: (تَرَوْنَهم) بالتاءِ (٣)، بمعنى: قد كان لكم أيُّها اليهودُ آيةٌ في فئتَينْ الْتَقَتا، فئةٌ تُقاتِلُ في سبيلِ اللَّهِ والأخْرى كافرةٌ، تَرَوْن المشركين مِثْلَى المسلمين رأْىَ العينِ. يُرِيدُ بذلك عِظَتَهم، يقولُ: إن لكم عِبْرةً أيُّها اليهودُ فيما رأيْتُم مِن قلةِ عددِ المسلمينَ وكثرةِ عددِ المشركينَ، وظَفَرِ هؤلاء مع قلةِ عددِهم، بهؤلاء مع كثرةِ عددِهم.

وقرَأ ذلك عامَّةُ قرأةِ الكوفةِ والبصرةِ وبعضُ المَكِّيِّين: ﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ﴾ بالياءِ، بمعْنى: يَرَى المسلمون الذين يُقاتِلون في سبيلِ اللهِ الجماعةَ الكافرةَ مِثْلَى المسلمينَ في القَدْرِ. فتأويلُ الآيةِ على قراءتِهم: قد كان لكم يا مَعشرَ اليهودِ عِبْرةٌ


(١) في ص: "لأنه".
(٢) بعده في ص، ت ١، ت ٢، س: "يعنى".
(٣) وهى قراءة نافع، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر والكسائى وحمزة بالياء، وحكى أبان عن عاصم بالتاء كالوجه الأول. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٢٠١.