للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويل قوله ﷿: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾.

يعنى بذلك جلّ ثناؤُه: ويُحَذِّرُكم اللهُ نَفْسَه في يوم تَجِدُ كلُّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ مُحْضَرًا مُوفَّرًا، ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾. يعنى: غايةً بعيدةً، فإنَّ مصيركم أيها القومُ يومئذٍ إليه، فاحْذَرُوه على أنفسكم من ذنوبكم.

وكان قتادةُ يقولُ في معنَى قولِه: ﴿مُحْضَرًا﴾. ما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾. يقولُ: مُوَفَّرًا (١).

وقد زعم بعضُ (٢) أهل العربيةِ أن معنَى ذلك: واذْكُرُ (٣) يومَ تَجِدُ. وقال: إن ذلك إنما جاء كذلك؛ لأن القرآنَ إنما نزَل للأمرِ والذِّكْرِ، كأنه قيل لهم: اذكُروا كذا وكذا؛ لأنه في القرآنِ في غيرِ موضعٍ: واتَّقُوا يوم كذا، وحينَ كذا.

وأما ﴿مَا﴾ التي مع ﴿عَمِلَتْ﴾ فبمعنى "الذي"، ولا يجوزُ أن تكونَ جزاءً، لوقوع ﴿تَجِدُ﴾ عليه (٤).

وأمَّا قولُه: ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ﴾. فإنه معطوفٌ على قولِه: ﴿مَا﴾ الأُولَى، و ﴿عَمِلَتْ﴾ صِلةٌ بمعنَى الرفعِ، لمَّا (٥) قيل: ﴿تَوَدُّ﴾.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٣١ (٣٣٩٢) من طريق يزيد به.
(٢) زيادة يقتضيها السياق.
(٣) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، س.
(٤) الوقوع: التعدى.
(٥) في النسخ: "كما". والمثبت ما يقتضيه السياق. وينظر معاني القرآن للفراء ١/ ٢٠٦.