للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾، ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ [مريم: ٩] (١).

القولُ في تأويل قوله: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾.

يعْنى بذلك جلّ ثناؤُه - خبرًا عن زكريا -: قال زكريا: ربِّ إن كان هذا النداءُ الذي نُودِيتُه، والصوتُ الذي سمِعته صوت ملائكتك، وبشارةً منك لى، فاجعل لى ﴿آيَةً﴾، يقولُ: علامةً أن ذلك كذلك؛ لِيَزُولَ عنِّي ما قد وَسْوَسَ إليَّ الشيطانُ فألقاه في قلبي، من أن ذلك صوتُ غير الملائكة، وبشارةٌ مِن [عندِ غيرك] (٢).

كما حدَّثني موسى، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾ قال: قال (٣) - يعني زكريا -: يا ربِّ، فإن كان هذا الصوتُ منك فاجعلْ لى آية (٤).

وقد دَلَّلْنا فيما مضى على معنى "الآية" وأنها العلامةُ، بما أغْنَى عن إعادتِه (٥).

وقد اخْتلف أهلُ العربية في سبب ترك العرب همزَها، ومن شأنها همزُ كلِّ ياءٍ جاءت بعد ألفٍ ساكنةٍ؛ فقال بعضُهم: تُرِك همزها لأنها كانت "أَيَّةً"، فثقُل عليهم التشديدُ، فأبْدَلوه ألفًا؛ لانفتاح ما قبلَ التشديد، كما قالوا: أيْما فلانٌ فأخزاه الله.

وقال آخرون منهم: بل هي "فاعلةٌ" منقوصةٌ. فسُئلوا، فقيل لهم: فما بالُ العرب تُصَغِّرُها "أُيَيَّةً"، ولم يقولوا: "أُويَّةً"؟ فقالوا: قيل ذلك كما قيل في


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٤٤ (٣٤٧٣) من طريق عمرو به.
(٢) في س: "عندك".
(٣) سقط من: س.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٤٥ (٣٤٧٥) من طريق عمرو به.
(٥) ينظر ما تقدم في ١/ ١٠٤.