للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قيل: إن معنى ذلك: وما كانت نفسٌ لِتموتَ إلا بإذنِ اللهِ.

واخْتَلَف أهلُ العربيةِ في المعنى الناصبِ قولَه: ﴿كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: هو توكيدٌ، ونصبُه على: كتَب اللهُ كتابًا مؤجلًا. قال: وكذلك كلُّ شيءٍ في القرآنِ مِن قولِه: ﴿حَقًّا﴾، إنما هو: أُحِقُّ ذلك حقًّا. وكذلك ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٦]، و ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [الكهف: ٨٢]، و ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٨٨]، و ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]. إنما هو: صَنَع اللهُ ذلك صُنْعًا. فهكذا تفسيرُ كلِّ شيءٍ في القرآنِ مِن نحو هذا، فإنه كثيرٌ (١).

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ في قولِه: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾: معناه: كتَب اللهُ أَجالَ النفوسِ، ثم قيل: ﴿كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾. فأُخْرِج قولُه: ﴿كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾. نصبًا مِن المعنى الذي في الكلامِ، إذ كان قولُه: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ قد أَدَّى عن معنى (٢) كتَب. قال: وكذلك سائرُ ما في القرآنِ مِن نظائرِ ذلك، فهو على هذا النحوِ.

وقال آخرون منهم: قولُ القائلِ: زيدٌ قائمٌ حقًّا. بمعنى: أقولُ زيدٌ قائمٌ حقًّا؛ لأن كلَّ كلامٍ قول، فأدَّى المَقولُ عن القولِ، ثم خرَج ما بعدَه منه، كما تقولُ: أقولُ قولًا حقًّا، وكذلك: "ظنًّا" و"يقينًا"، وكذلك: ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٦]، وما أشْبَهَه.


(١) ينظر الكتاب لسيبويه ١/ ٣٨١ - ٣٨٣.
(٢) في م: "معناه".