للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهَ جلَّ ثناؤُه لو أراد بذلك أو بشيءٍ منه الدلالةَ على معنًى واحدٍ مما يَحْتَمِلُه (١) ذلك، دون سائرِ المعاني غيرِه، لأبان ذلك لهم رسولُ اللَّهِ ﷺ إبانةً غيرَ مُشْكِلةٍ، إذ كان جلَّ ثناؤُه إنما أنْزَل كتابَه على رسولِه ﷺ ليُبَيِّنَ لهم ما اخْتَلَفوا فيه، وفي تركِه ﷺ إبانةَ ذلك أنه مرادٌ به مِن وُجوهِ تأويلِه البعضُ دون البعضِ - أوضحُ الدليلِ على أنه مرادٌ به جميعُ وجوهِه التي هو لها مُحْتَمِلٌ، إذ (٢) لم يكنْ مُسْتَحِيلًا في العقلِ وجهٌ منها أن يَكونَ مِن تأويلِه ومعناه، كما كان غيرَ مستحيلٍ اجتماعُ المعاني الكثيرةِ للكلمةِ الواحدةِ باللفظِ الواحدِ في كلامٍ واحدٍ.

ومَن أبَى ما قلْناه في ذلك، سُئِل الفرْقَ بينَ ذلك وبينَ سائرِ الحروفِ التي تَأْتِي بلفظٍ واحدٍ، مع اشتمالِها على المعاني الكثيرةِ المختلفةِ، كالأُمَّةِ والدِّينِ وما أشْبَه ذلك مِن الأسماءِ والأفعالِ، فلن يقولَ في أحدِ (٣) ذلك قولًا إلا أُلْزِم في الآخرِ مثلَه.

وكذلك يُسْألُ كلُّ مَن تأوَّل شيئًا مِن ذلك على وجهٍ دن الأوجهِ الأُخَرِ التي وصَفْنا، عن البرهانِ على دَعْواه، من الوجهِ الذي يَجِبُ التسليمُ له، ثم يُعارَضُ بقولِ مُخالِفِه في ذلك، ويُسْألُ الفرقَ بينَه وبينَه، مِن أصلٍ، أو مما يَدُلُّ عليه أصلٌ. فلن يقولَ في أحدِهما قولًا إلا أُلْزِم في الآخرِ مثلَه.

وأما الذي زعَم مِن النحويِّين أن ذلك نظيرُ "بل" في قولِ المُنْشِدِ شِعرًا (٤):

بل * ما هاج أحْزانًا وشجوًا قد شَجَا

وأنه لا معنًى له، وإنما هو زيادةٌ في الكلامِ معناه الطَّرْحُ. فإنه أخْطَأ مِن


(١) في ص، م: "لا يحتمله".
(٢) في ص: "إذا".
(٣) في ص: "واحد من".
(٤) تقدم في ص ٢١٥.