للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طيبٌ، وهو للذى أخَذه خبيثٌ (١).

قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال بتأويل هذه الآية قولُ مَن قال: تأويلُ ذلك: ولا تَتَبدَّلوا أموالَ أيتامكم - أيُّها الأوصياءُ - الحرام عليكم، الخبيثَ لكم، فتأخُذوا رفائعَها وجيادَها وخيارَها، بالطيبِ الحلالِ لكم من أموالكم [وتجعلوا] (٢) الردئ الخسيسَ بدلًا منه. وذلك أن تَبَدُّلَ الشئِ بالشئِ في كلام العربِ، أَخْذُ شيءٍ مكان آخر غيره، يُعْطِيه المأخوذ منه أو يَجْعَلُه مكان الذي أخَذه، فإذ كان ذلك معنى التَّبَدُّلِ والاستبدال، فمعلومٌ أن الذي قاله ابن زيدٍ - من أن معنى ذلك هو أخذُ أكبر ولد الميتِ جميعَ مالِ ميْتِه ووالده دونَ صغارِهم إلى ماله - قولٌ لا معنى له؛ لأنه إذا أخذ الأكبرُ من ولدِه جميع مالِه دونَ الأصاغر منهم، فلم يَسْتَبْدِلْ مما أَخَذ شيئًا، فما التبدُّلُ الذي قاله جل ثناؤه: ﴿وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾. ولم يبذُل الآخِذُ مكان المأخوذ بدلًا؟

وأما الذي قاله مجاهدٌ وأبو صالحٍ من أن معنى ذلك: لا تَتَعَجَّل الرزقَ الحرامَ قبلَ مجئ الحلال. فإنهما أيضًا إن لم يَكُونا أرادا بذلك نحو الذي رُوى عن ابن مسعودٍ أنه قال: إن الرجلَ ليُحْرَمُ الرزقَ بالمعصيةِ يَأْتيها. ففسادُه نظيرُ فسادِ قول ابن زيدٍ؛ لأن من اسْتَعْجَل الحرام فأكله، ثم آتاه الله رزقَه الحلال فأكله (٣)، فلم يُبَدِّلُ شيئًا مكانَ شيءٍ. وإن كانا أرادا بذلك أن الله جل ثناؤه نهى عباده أن يَسْتَعْجِلُوا الحرام، فيَأْكُلوه قبل مجئ الحلالِ، فيكون أكلُهم ذلك سببًا لحرمان الطيِّب منه،


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١١٧ إلى المصنف.
(٢) سقط من: الأصل، ص، ت ١، س.
(٣) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.