للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صبيحتِها القيامةُ، فذلك اليومُ هو آخرُ الأيامِ، ولذلك سمَّاه اللَّهُ جلَّ ثناؤُه اليومَ الآخِرَ، ونعَته بالعُقْمِ (١)، ووصَفه بأنه يومٌ عقيمٌ (٢)؛ لأنه لا ليلَ بعدَه.

وأما تأويلُ قولِه: ﴿وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾. ونفيُه عنهم جلّ ذكرُه اسمَ الإيمانِ، وقد أخْبَر عنهم أنهم قد قالوا بألسنتِهم: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾. فإن ذلك مِن اللَّه جلَّ ذكرُه تكذيبٌ لهم فيما أخْبروا عن اعتقادِهم مِن الإيمانِ بقُلوبِهم (٣)، والإقرارِ بالبعثِ، وإعلامٌ منه نبيَّه ﷺ أن الذي يُبْدُونه له بأفواهِهم خلافُ ما في ضمائرِ قلوبِهم، وضِدُّ ما في عزائمِ نفوسِهم.

وفي هذه الآيةِ دلالةٌ واضحةٌ على بُطولِ ما زعَمَته الجَهْميَّةُ (٤) أن الإيمانَ هو التصديقُ بالقولِ دونَ سائرِ المعاني غيرِه، وقد أخْبَر اللَّهُ جلَّ ذكرُه عن الذين ذكَرهم في كتابه من أهلِ النفاقِ أنهم قالوا بألسنتِهم: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾. ثم نفَى عنهم أن يكونوا مؤمنين، إذ كان اعتقادُهم غيرَ مُصدِّقٍ قِيلَهم ذلك.

وقولُه: ﴿وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾. يعني: بمصدِّقين بما (٥) يَزْعُمون أنهم به مُصدِّقون.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾.

قال أبو جعفرٍ: وخداعُ المنافقِ ربَّه والمؤمنين إظهارُه بلسانِه مِن القولِ والتصديقِ خلافَ الذي في قلبِه مِن الشكِّ والتكذيبِ؛ ليَدْرأَ عن نفسِه بما أظْهَر بلسانِه حكمَ


(١) في ص، م: "بالعقيم".
(٢) يشير إلى قوله جل ثناؤه: ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ [الحج: ٥٥].
(٣) زيادة من: ر.
(٤) بعده في ص، م: "من".
(٥) في ر، م: "فيما".