للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و (١) قال الشاعرُ (٢):

عقُّوا بِسَهمٍ فلم يَشْعُرْ به أحدٌ … ثم اسْتَفاءُوا (٣) وقالوا حبَّذا الوَضَحُ (٤)

يعني بقولِه: لم يَشْعُرْ به أحدٌ (٥): لم يَدْرِ به أحدٌ ولم يَعْلَمْ.

فأخْبَر اللَّهُ جلّ ثناؤُه عن المنافقين أنهم لا يَشْعُرون بأن اللَّهَ خادِعُهم، بإملائِه لهم واستدراجِه إيَّاهم، الذي هو مِن اللَّهِ جلَّ ثناؤُه إبلاغٌ إليهم في الحجةِ والمَعْذرةِ، ومنهم لأنفسِهم خديعةٌ، ولها في الآجلِ مَضرَّةٌ.

كالذي حدَّثني يونسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخْبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: سألتُ ابنَ زيْدٍ عن قولِه: ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ قال: ما يَشْعُرون أنهم ضَرُّوا أنفسَهم بما أسَرُّوا مِن الكفرِ والنفاقِ. وقرَأ قولَ اللَّهِ: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾. قال: هم المنافقون. حتى بلَغ: ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾ [المجادلة: ١٨]. وقد كان الإيمانُ يَنْفَعُهم عندَكم (٦).

القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤُه: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾.

قال أبو جعفرٍ: وأصلُ المرضِ السُّقمُ، ثم (٧) يقالُ ذلك في الأجسادِ والأديانِ. فأخْبَر اللَّهُ جلَّ ثناؤُه أن في قلوبِ المنافقين مرضًا، وإنما عنَى جلّ ثناؤه بخبرِه عن مرضِ قلوبِهم الخبرَ عن مرضِ ما في قلوبِهم مِن الاعتقادِ. ولكن لما كان معلومًا بالخبرِ


(١) في م: "كما".
(٢) البيت للمتنخل الهذلي، كما في ديوان الهذليين ٢/ ٣١.
(٣) في ص: "استفادوا"، وفي ر: "استقاموا"، وفي ت ٢: "استقادا".
(٤) عقوا بسهم: أي رموا به في السماء، استفاءوا: رجعوا، الوضح: اللبن. ينظر شرح أشعار الهذليين ٣/ ١٢٧٩.
(٥) زيادة من: ر.
(٦) تقدم أول هذا الأثر في ص ٢٨١.
(٧) سقط من: ص.