للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن الذي حانت بفَلْجٍ (١) دماؤُهُمْ … هُمُ القومُ كلُّ القومِ يا أُمَّ خالدِ قال أبو جعفرٍ: والقولُ الأولُ هو القولُ؛ لِما وصَفْنا من العلةِ، وقد أغْفَل قائلُ ذلك فرقَ ما بينَ "الذي" في الآيتين وفي البيتِ؛ لأن ﴿الَّذِي﴾ في قولِه: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ﴾ قد جاءت الدَّلالةُ عدي أن معناها الجمعُ، وهو قولُه: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾. وكذلك "الذي" في البيتِ، وهو قولُه: دماؤُهم. وليست هذه الدَّلالةُ في قولِه: ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾. فذلك فرقُ ما بينَ ﴿الَّذِي﴾ فما قولِه: ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ وسائرِ شواهدِه التي اسْتَشهد بها على أن معنى: ﴿الَّذِي﴾ في قولِه: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ بمعنى الجماعِ (٢)، وغيرُ جائزٍ لأحدٍ نقلُ الكلمةِ التي (٣) الأغلبُ في استعمالِ العربِ على معنًى إلى غيرِه إلا بحجةٍ يجبُ التسليمُ لها.

ثم اخْتَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فرُوِي عن ابنِ عباسٍ فيه أقوالٌ: أحدُها: ما حدَّثني به محمدُ بنُ حُميدٍ، قال: حدَّثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، عن محمدِ بنِ أبي محمدٍ، عن عكرمةَ، أو عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: ضرَب اللهُ للمنافقين مثلًا فقال: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾ أي: يُبصِرون (٤) الحقَّ ويقولون به، حتى إذا خرَجوا به من ظُلمةِ الكفرِ، أطفئوه بكفرِهم به ونقاقِهم فيه، فترَكهم في ظلماتِ الكفرِ، فهم لا يُبصِرون هدًى،


(١) فلج: موضع بين البصرة وحمى ضرية. وقيل: هو واد بطريق البصرة إلى مكة، ببطنه منازل للحاج. التاج (ف ل ج).
(٢) في م: "الجماعة".
(٣) في ص: "إلى"، وفي م: "التي هي".
(٤) في سيرة ابن هشام: "لا يبصرون".