للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جائزٍ أن يكونَ آثامُ المقتولِ مأخوذًا بها القاتلُ، وإنما يُؤْخَذُ القاتلُ بإثمِه بالقتلِ المحرَّمِ، وسائرِ آثامِ معاصِيه التي ارْتَكَبَها بنفسِه دونَ ما رَكِبه قتيلُه.

فإن قال قائلٌ: أوَ ليس قتلُ المقتولِ مِن بنى آدمَ كان معصيةً للَّهِ مِن القاتلِ؟

قيل: بلى، وأَعْظم بها معصيةً.

فإن قال: فإذا كان للَّهِ جلَّ وعزَّ، معصيةً، فكيف جاز أن يريدَ ذلك منه المقتولُ، ويقولُ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي﴾. وقد ذكَرتَ أن تأويلَ ذلك: إني أُريد أن تبوءَ بإثم قتلى؟

فمعناه (١): إنى أُريدُ أن تبوءَ بإثمِ قتلى إن قتَلتني؛ لأنى لا أقتُلُك، فإن أنت قَتَلْتَني فإني مُريدٌ أن تبوءَ ياثمِ معصيتِك الله في قتِلك إيَّايَ. وهو إذا قتَله فهو لا محالةَ بَاءَ به في حُكْمِ اللَّهِ، فإرادتُه ذلك غيرُ موجبةٍ له الدخولَ في الخطأ.

ويَعْنى بقولِه: ﴿فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾. يقولُ: فتكونَ بقتلَك إِيَّايَ مِن سُكَّان الجحيمِ، ووَقود النارِ المخلَّدين فيها، ﴿وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾. يقولُ: والنارُ ثوابُ التاركين طريق الحقِّ، الزائلين عن قَصْدِ السبيلِ، المتعدِّين ما جُعِل لهم إلى ما لم يُجْعَل لهم. وهذا يدلُّ على أن اللَّهَ عزَّ ذكرُه قد كان أمَرَ ونَهَى آدمَ بعدَ أن أهْبَطه إلى الأرضِ، ووَعَدَ وأَوْعَدَ، ولولا ذلك ما قال المقتولُ للقاتلِ: فتكونَ مِن أصحابِ النارِ بقتلِك إِيَّايَ. ولا أَخْبَرَه أَن ذلك جزاءُ الظالمين.

فكان مجاهدٌ يقولُ: عُلِّقَتْ إحدى رِجْلَى القاتلِ بساقِها إلى فَخِذِها مِن يومِئذٍ إلى يومِ القيامةِ، ووجهه في الشمسِ حيثما دارت دار (٢)، عليه في الصيف حَظيرةٌ


(١) في ص، ت ١: "ومعناه".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "دارت".