للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان بعضُ نحويِّي البصرةِ يَزْعُمُ أن السمعَ وإن كان في لفظِ واحدٍ، فإنه بمعنى جماعٍ. ويَحْتَجُّ في ذلك بقولِ اللهِ جلّ وعزّ: ﴿لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾ [إبراهيم: ٤٣]. يُرُادُ (١): لا تَرْتَدُّ إليهم أطْرافُهم. وبقولِه: ﴿وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥)[القمر: ٤٥]. يُرادُ به: أدْبارُهم.

قال أبو جعفرٍ: وإنما جاز (٢) ذلك عندي لأن في الكلامِ ما يَدُلُّ على أنه مُرادٌ به الجمعُ، فكان دَلالتُه (٣) على المرادِ منه وأدَاءِ معنى الواحدِ مِن السمعِ عن معنى جماعةٍ، مُغْنِيًا (٤) عن جِماعِه، ولو فُعِل بالبصرِ نظيرُ الذي فُعِل بالسمعِ، أو فُعِل بالسمعِ نظيرُ الذي فُعِل بالأبصارِ - مِن الجمعِ والتوحيدِ - كان فصيحًا صحيحًا؛ لما ذكرْنا مِن العلةِ، كما قال الشاعرُ (٥):

كُلُوا في بَعْضِ (٦) بَطْنِكُمُ تعِفُّوا (٧) … فإن زَمانَنا (٨) زَمَنٌ خَمِيصُ

فوحَّد البطنَ، والمرادُ به (٩) البطونُ؛ لما وصَفْنا مِن العلةِ.


(١) في ص: "ويراد"، وفي م: "يريد".
(٢) بعده في ص، ت ١، ت ٢: "جمع"، وفي ر: "جميع".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢: "في دلالته"، وفي م: "فيه دلالة".
(٤) في ص، ر، ت ١، ت ٢: "معنيا".
(٥) بعده في ر: "حيث قال".
والبيت من أبيات سيبويه التي لا يعلم قائلها، ينظر الكتاب ١/ ٢١٠، وأمالي ابن الشجري ١/ ٣١١، ٢/ ٢٥، ٣٨، ٣٤٣، والخزانة ٧/ ٥٣٧، ٥٥٩.
(٦) في الأصل، ص، ر، وأمالي ابن الشجري، والموضع الأول من الخزانة: "نصف". قال صاحب الكشاف - كما في الخزانة ٧/ ٥٦٣ - : أكل في بعض بطنه، إذا كان دون الشبع، وأكل في بطنه، إذا امتلأ وشبع.
(٧) في الأصل، ص، ر، والموضع الأول من الخزانة: "تعيشوا". وذكر صاحب الخزانة أنها رواية.
(٨) في مصادر التخريج: "زمانكم".
(٩) في ص، م: "منه".